رجال الفكر والسياسة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


طالما دافعت عن حقوق المواطنة المتساوية ورفضت كل أشكال التمييز على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو النوع الإجتماعى .. وانتصرت لمبادىء التسامح والتعددية ضد كل أشكال
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولنص الموضوع نص الموضوع

 

 موضوعك الأول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
باحث سياسي
Admin



المساهمات : 12
تاريخ التسجيل : 09/03/2015
الموقع : https://www.facebook.com/

موضوعك الأول Empty
مُساهمةموضوع: موضوعك الأول   موضوعك الأول Icon_minitimeالإثنين مارس 09, 2015 12:34 pm

مرحبا بك أيها العضو الكريم في منتداك الخاص وهنيئاً لك بانضمامك إلى عائلة أحلى منتدى.

هنا نوفر لك بعض المعلومات القيمة التي ستساعدك بالبدئ في إدارة منتداك.

>> كيف تدخل إلى لوحة الإدارة؟

للدخول إلى لوحة إدارة منتداك عليك بتسجيل الدخول أولاً. إن لم تكن قد سجَّلت الدخول بعد, إضغط على زر الدخول في عارضة الأزرار أعلاه ثم أدخل أسم التعريف Admin و كلمة السر التي اخترتها حين إنشاء منتداك. إذا ما فقدت أو نسيت كلمة السر الخاصة بك إضغط هنا.
حين دخولك إلى منتداك, إضغط رابطة لوحة الإدارة أسفل الصفحة للدخول إلى لوحة الإدارة.

>> كيف تغير مظهر منتداك؟

يمكنك تغير مظهر منتداك بإختيارك أحد التصاميم المقترحة عليك في لوحة الإدارة (لكل تصميم صوره و ألوانه الخاصة). من أجل القيام بذلك, عليك التوجه إلى لوحة الإدارة ثم الضغط على "مظهر المنتدى" ثم بعد ذلك ادخل على "اختيار التصميم" و أختر أحد التصاميم المقترحة٠ لديك من بعد حرية تغيير أو إختيار تصميم آخر من خلال موقع التصاميم المجانية التابعة لأحلى منتدى.

يمكنك أيضا أن تطلب من مصممين محترفين تابعين لأحلى منتدى تصميم استايل شخصي كامل حصري لمنتداك و ذلك مباشرة على منتدى الإبداع العربي.

>> كيف تنشئ و تنظم أقسام منتداك و فئاته؟

منتداك هو منتدى أحترافي و غير محدود الطاقة و القدرات و يدوم إلى الأبد ما دمت تحترم شروط الإستعمال العامة لموقع أحلى منتدى. يمكنك إضافة و تغير الأقسام أو الفئات أو المنتديات التي انشئتها في أي وقت وذلك بصفة لا متناهية. من أجل ذلك, عليك التوجه إلى لوحة الإدارة ثم الضغط على "إدارة عامة" ثم بعد ذلك على "المنتديات و الفئات".
فهنيئاً لك بمنتدى مجاني خارق القدرات و عالي الحماية و الجودة. و مرحباً بك مجدداً كعضو كريم بيننا.

>> نصائح هامة للوصول بمنتداك الى اعلى القمم:

للنهوض السريع بمنتداك الجديد و جعل الأعضاء و الزوار يتقاطبون عليه من كل صوب, سارع بالتسجيل و اشهار منتداك في منتدى الإشهار العربي. يمكنك ايضاً ان تطلب تبادلات اعلانية مع اعضاء دليل اشهار المنتديات فتحصل إن شاء الله على زوار و نشاط لمنتداك الجديد بسرعة فائقة.

مع أخلص تحياتنا.

فريق العمل لأحلى منتدى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://marym.rigala.net
باحث سياسي
Admin



المساهمات : 12
تاريخ التسجيل : 09/03/2015
الموقع : https://www.facebook.com/

موضوعك الأول Empty
مُساهمةموضوع: الإستبداد السياسي   موضوعك الأول Icon_minitimeالإثنين مارس 09, 2015 1:49 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


الاستبداد السياسي هو الانفراد بالسلطة، ومعنى استبد به: أي انفرد به يقال: استبد بالأمر، يستبد به استبداداً إذا انفرد به دون غيره(1).
ويكتسب الاستبداد معناه السيئ في النفس من كونه انفراداً في أمر مشترك، فإدارة الأمة وولايتها تعود إليها برضاها، فإذا قام أحد وغلب الأمة وقهرها في أمر يهمها جميعا، وانفرد بإدارتها دون رضاها، فقد وقع في العدوان والطغيان.

وهذا الاستيلاء والسيطرة على أمر الأمة دون رضى منها يفتح أبواب الظلم والفساد وضروب العدوان وهو ما يسمى "الاستبداد السياسي".

فالحكم والولاية العامة على المسلمين حق للأمة، ولا يجوز الانفراد بها دون مشورة لهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا "(2) وجاء في زيادة: "إنه لا خلافة إلا عن مشورة"(3).

فالاستبداد السياسي هو التغلب والاستفراد بالسلطة، والسيطرة التامة على مقاليد الدولة واغتصابها من الأمة دون مشورة و رضى منهم.

والاستبداد جزء من الطغيان وليس مرادفا له، فقد يكون المستبد طاغياً وظالماً، وقد يكون عادلاً مجتهداً في الإصلاح(4).

وقد ظهر الاستبداد في الأمة الإسلامية في وقت مبكر، وذلك بعد ولاية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، والذي عهد بالخلافة من بعده لابنه يزيد، وقال: "من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به ومن أبيه"(5).

وقد كانت هذه البداية في تحويل الحكم من الشورى إلى الوراثة، وهذا ما لم يكن معهوداً في زمن الخلفاء الراشدين الذين هم النموذج التطبيقي للفكر السياسي الإسلامي. وبهذا انتزع حق الأمة في تولية الأصلح بطريقة جماعية شوريّة إلى تولية الأبناء والذرية وان كانت تنقصهم الكفاءة وفي الأمة من هو أصلح منهم.

وهذا الإنفراد في تولية الخلفاء فتح على الأمة الإسلامية باب شر عظيم لا زال يضعفها حتى وصلت إلى الحالة المزرية الآن، واستحكام الاستبداد فيها، وتولي الأشرار لأمرها، وإضعاف دور شعوبها مما سبب ضعفها أمام الأمم الأخرى.

وقد وقف علماء الصحابة من هذه الظاهرة الغريبة المفضية إلى الطغيان موقفاً قوياً وأنكروا على معاوية رضي الله عنه(6)، ومن ذلك أن عبد الرحمن بن أبي بكر قطع خطبة معاوية وقال له: "إنك والله لوددت أنا وكّلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردنّ هذا الأمر شورى بين المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة ثم خرج"(7).


ولما قال مروان ابن الحكم في بيعة يزيد:"سنة "أبي بكر" الراشدة المهدية " رد عليه عبد الرحمن ابن أبي بكر فقال: "ليس بسنة "أبي بكر"، وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إلى رجل من بني عدي؛ أن رأى انه إلى ذلك أهل ولكنها هرقلية"(Cool.

ولما كلم معاوية رضي الله عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنه في أمر استخلاف ابنه يزيد قال له ابن عمر رضي الله عنه:" إنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يرو في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وأنت تحذرني أن أشق عصا المسلمين، وأن أسعى في فساد ذات بينهم، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم"(9).

يقول ابن كثير: " لما أخذت البيعة ليزيد في حياة أبيه كان الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر وابن عباس "(10).

وقد كان امتناع هؤلاء الصحابة، وهم أعلم الناس في زمانهم لعلمهم الأكيد بآثار الاستبداد على الأمة، وخطره عليهم، بل وصل الأمر إلى الخروج المسلح بعد وفاة معاوية رضي الله عنه، ولم تستقر الدولة ليزيد، وقد استمر الخروج المسلح على الاستبداد زمنا طويلا (11).

إن هذه المواقف القوية ضد الاستبداد تدل على بطلان نسبة إقرار الاستبداد إلى الدين، فإن الدين لم يأمر بالتغلب والظلم، بل أمر بالشورى {وشاورهم في الأمر} [آل عمران/159], {وأمرهم شورى بينهم}[الشورى/38] , وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن الولاية العامة لا تكون إلا بشورى ورضى من الأمة وهذا ما كانت به الولاية لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.

والإمامة لا تتم إلا بالبيعة، وهي عقد من العقود، وقاعدة الشريعة الإسلامية في العقود هي ضرورة رضى المتعاقدين، وهي من جنس الوكالة.

فالحاكم وكيل عن الأمة في تطبيق أحكام الإسلام، ولهم خلعه إذا خالف مقتضى العقد بالكفر أو الظلم(12).

ولا ينبغي أن تنسب تجاوزات الحكام، وجعل الإمامة بالوراثة بدلا عن الشورى واختيار الأمة إلى الإسلام(13)، فقد تبين سابقاً الأمر بالشورى، وضرورة رضى الأمة الاختياري بمن يلي أمرهم، ويدبر شؤونهم.

وقد يظن البعض أن النهي عن الخروج على الحاكم حتى لو كان متغلباً ومستبداً يدل على تبرير الاستبداد، وهذا الظن غير صحيح، لأن النهي عن القتال معلل بأنه فتنة تسبب الفرقة وشق عصا المسلمين، والمعادلة بين الاستبداد مع خطره وطغيانه، وبين القتال الذي يراق فيه دماء المسلمين ويفرق كلمتهم تجعل الصبر على الاستبداد مع مقاومته بالاحتساب خير من القتال لأنه أقل ضرراً، فمعصية القتال أكبر من معصية الاستبداد، ولهذا جاء في الحديث: "وإن تأمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا وأطيعوا "(14)، وقوله: "تأمر" يعني أمر نفسه دون رأى منكم.

وهذا لا يعني تبرير الاستبداد والظلم، فمقاومته بغير القتال لا تزال قائمة في الدين وهو باب عظيم عد من أركان الإسلام وهو باب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

فترك القتال لمصلحة الأمة لا يعني إقرار الاستبداد إذا اقتصر على تفرده بالسلطة مع إقامة شعائر الدين، وتطبيق أحكامه، ولهذا لو أمكن خلع الحاكم المستبد دون قتال وفتنة لكان ذلك واجباً، لأنه رد الأمر إلى أهله.

وقد استمر الاستبداد في الأمة من زمن الدولة الأموية وإلى الدولة العثمانية، وقد جاءت آثاره تدريجيا في الأمة إلى أن استحكم ووصل لذروته اليوم.

وقد وجدت أسباب ساعدت في نموه، وبررت لوجوده، ودافعت عنه، ودعمته حتى وصل إلى هذا الحد المزري في الأمة.

ومن هذه الأسباب:

1- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [المائدة/78- 79].

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(15)، وقال: " إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منها"(16)، وقال: " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه عمهم الله بعقابه "(17) وقال:" لتأخذن على يد الظالم، و لتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم"(18)، ولهذا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة الاحتساب على الحكام والولاة فقال "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"(19)، وقال " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"(20).

وقد قامت الأمة بمحاسبة الحكام(21)، وردهم إلى الحق وعدم مجاملتهم على حساب الحق، وهذا ما كان له اثر كبير في حياة الأمة، واستمرارها على تطبيق أحكام الإسلام مع وجود الاستبداد والحكم الوراثي.

ولكن مع تراجع دور الأمة، والعلماء بالذات في القرون المتأخرة عن محاسبة الحكام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر زاد الاستبداد والطغيان، وتفاقم الظلم والاعتداء على الحريات والحقوق وارتكاب نواقض الإيمان دون أيّ خوف أو تردد.

وزاد الأمر سوءاً عندما وجد من العلماء من يقف في جوار السلطة مع أنها على ظلم وعدوان، ويتأول لها المعاذير، ويخرّج أعمالها، ويفتي لها في طغيانها وظلمها.

هذا الوضع الكئيب شجّع على الطغيان من قبل الحكام دون أدنى محاسبة، في وقت انتشار الحريات ومحاسبة الحكام وتداول السلطة في أوروبا، وقد بهرت هذه الصورة بعض المثقفين، فظن أن هذا الاستبداد هو نتاج تطبيق الإسلام، ولهذا هاجر فكره وظن أن المنقذ الوحيد لهذه الأمة يكون في تبنيها للفكر الليبرالي وتطبيقاته السياسية والاقتصادية، ولم يترك لنفسه فرصة التفكير في أساس المشكلة وهي ترك التطبيق الحقيقي للإسلام، ولم يفكر في سلبيات المذاهب الوضعية الحديثة التي خرجت من عقل مضطرب متناقض.

2- انتشار عقيدة الإرجاء والجبر من خلال الصوفية و الأشاعرة والماتريدية، وهاتان العقيدتان لهما تأثير كبير في ظهور روح الاستسلام للظلم، وتهوين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالإرجاء يبرر الطغيان ويعتذر له، ولهذا سُمي الإرجاء "دين الملوك"، فمهما ارتكب المستبد من المظالم والعدوان على الحقوق والحريات، ومهما فعل من نواقض الإيمان ومبطلاته فإنه لا يعدو أن يكون مقصراً في بعض الكماليات، أما الإيمان فإنه كامل بمجرد التصديق القلبي ونطق الشهادتين - عندهم -.

ومما يؤكد الارتباط بين الإرجاء والاستسلام للمستبد أن ظهوره كان عقب هزيمة ابن الأشعث أمام طغيان الحجاج في "دير الجماجم"سنة 83 هـ، فقد كانت حركة عبد الرحمن بن الأشعث من أقوى حركات الاحتساب المسلح ضد الاستبداد(22)، وعندما هزمت وقع في الناس الوهن، وظهر بعدها الإرجاء والتصوف والشعور باليأس من تغيير مظالم السلطان، ولعل ذلك يعود إلى الحشد الهائل الذي اجتمع مع ابن الأشعث من العلماء والفقهاء، ومع ذلك هزموا وقتل الكثير منهم، وهرب الباقون(23).

يقول قتادة:"إنما أحدث الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث"(24).

أما عقيدة الجبر فإنها ورثت الاستسلام أمام الاحتلال الأجنبي، وإن الإيمان بالقدر يقتضي عدم مقاومته وجهاده، بل إنه يتضمن الخضوع والخنوع له.

والفكر الصوفي من أقوى أسباب الاستسلام للمستبدين، فإنه يشجع على الانصراف عن الجهاد والاحتساب، والاشتغال بالأمور العامة بما فيها الشؤون السياسية، فكيف إذا كان الفكر الصوفي يزيد عن انصرافه عن الحياة وشئونها "العقيدة الجبرية" الانهزامية المستسلمة.

إنه باستحكام التصوف والإرجاء والجبر في الحياة الإسلامية العامة قد اكتملت كل مقومات الخضوع للمستبد، بل زاد على ذلك تبرير ظلمه وطغيانه بأنواع المبررات والمعاذير الباطلة.

3- التبرير والتأول الشرعي الذي ساعد على إضفاء الشرعية على استبداد الحاكم، وانفراده عن الأمة، وتوليه لشؤونها دون مشورة و رضى منها.

وقد بدأ ذلك منذ أول تحول في الأمة من الخلافة الراشدة الشورية إلى الحكم الاستبدادي الوراثي، ولهذا برر معاوية رضي الله عنه تولية ابنه يزيد من بعده بقوله "إني خفت أن أدع الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع"(25)، فهو يبرر تصرفه بأنه يريد المصلحة للأمة وهي - أي المصلحة- مقصد شرعي شريف، وقد كان مجتهداً في ذلك رضى الله عنه, ولكن أعيان الصحابة في زمانه اعترضوا عليه بأن هذا خلاف فعل النبي صلى اله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وبقية الخلفاء الراشدين، وإن ترك الأمر لاختيار الأمة ليس فيه ضيعة لها بل هو صمام الأمان من الفتن(26).

فالاستبداد منذ أن بدأ وهو يلتمس التبرير الشرعي، ولهذا وُجدت في آراء أتباع المذاهب الفقهية ما يبرره، ومن ذلك استدلال الماوردي بجواز العهد مطلقا بعمل المسلمين وعدم وجوب الإنكار بذلك(27)، وهو استدلال منقوض بإنكار علماء الصحابة على معاوية -كما تقدم- وبخروج جمع من القراء والفقهاء في الدولة الأموية -كما تقدم-، وأن العبرة بمصدر التشريع وهو الوحي ودعوى الإجماع باطلة بما تقدم.

كما استدل بفعل أبي بكر رضي الله عندما عهد بالخلافة لعمر رضي الله عنه(28)، وليس فيه دليل لأن خلافة عمر رضي الله عنه إنما تمت بعد موافقة المسلمين عن رضى، وليس فيه أنه افتأت على الأمة دون رأيهم.

ويدل لذلك قول أبي بكر رضي الله عنه للصحابة "أترضون بمن استخلف عليكم ؟ فإني والله ما ألوت من جهة الرأي(29)، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب، فأسمعوا له وأطيعوا " قالوا: سمعنا وأطعنا(30)، وفي رواية "فأقروا بذلك جميعاً، ورضوا وبايعوا"(31)، وهكذا بيعة عثمان رضي الله عنه، فقد استشار فيها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الناس بصور مختلفة جميعاً وأشتاتاً، مثنى وفرادى، سراً وجهراً، حتى النساء في خدورهن، والولدان في المكاتب، والأعراب والركبان من خارج المدينة(32)، وكذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد مقتل عثمان "إن بيعتي لا تكون إلا عن رضا من المسلمين، فلما دخل المسجد دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس"(33).

وقد رجح الماوردي جواز التوريث في الإمامة مع قوله بعدم اشتراط رضا الأمة عند العهد لأن الإمامة من حقه(34)، مع أن الإجماع منعقد على أنه لا يجوز التوريث فيها(35).

وقد انتشر عند بعض أتباع المذاهب القول بجواز ولاية المتغلّب(36)، والظاهر أن ذلك تم تحت ضغط الواقع، وإلا فإن المتغلّب من جنس الغاصب، وليس للغاصب إدعاء جواز غصبه(37).

وكان الواجب أن ينكر على كل حاكم مستبد أخذه للولاية دون رضى ومشورة من الأمة، لأن بقاء الشورى ضمان للعدل والعمل بأحكام الإسلام، والاستبداد يفتح بوابة الظلم على مصراعيها، فربما يكون الحاكم عادلاً ثم يولي ابنه ويكون ظالماً.

4- الغلو في طاعة ولي الأمر، ولاشك أن طاعته في المعروف واجبة، ولكن الغلو في ذلك أوصل الأمر إلى درجة الطاعة في معصية الله بحجة أن الله تعالى يغفر لهم ذنوبهم لمكانتهم في الأمة، ووصل الغلو إلى تقبيل يد الحاكم ورجله تعظيماً له (38).

ومن الأمثلة على ذلك ما قاله شيخ الإسلام بن تيمية: " فكثيرٌ من أتباع بني أمية- أو أكثرهم - كانوا يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه ولا عذاب، وأن الله لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه الإمام، بل تجب عليهم طاعة الإمام في كل شيء، والله أمرهم بذلك، وكلامهم في ذلك معروف كثير. وقد أراد يزيد بن عبد الملك أن يسير بسيرة عمر بن عبد العزيز، فجاء إليه جماعة من شيوخهم، فحلفوا له بالله الذي لا إله إلا هو، أنه إذا ولّى الله على الناس إماماً تقبل الله منه الحسنات وتجاوز عنه السيئات. ولهذا تجد في كلام كثير من كبارهم الأمر بطاعة ولي الأمر مطلقاً، وأن من أطاعه فقد أطاع الله "(39 ).

وقد تعامل البعض مع مسائل طاعة ولي الأمر على أنها من مسائل أصول الدين، مع أن قضية الإمامة من فروع الدين وليست من أصوله إلا عند الرافضة(40).

وبسبب هذا الغلو ضعف الاحتساب على الحكام، وأصبح العلماء دمية في يد الحاكم يوجههم إلى حيث أراد باسم المصلحة، والبعد عن الفتنة، مع أن الوضع الصحيح هو التزام الحاكم بمشورة علماء الأمة.

وزاد الطين بلة أن الحكومات الإسلامية المعاصرة أخذت نظام الدولة القومية الحديثة التي تتحكم في شعبها تحكماً مركزياً دقيقاً، وتنظم بطريقة إدارية صارمة كافة مناحي الحياة اليومية للفرد، فأصبح الفرد لا يستطيع أن يقوم بأي عمل إلا بإذن وتصريح من السلطات الحاكمة، وهذه الصورة لم تكن معروفة في الدول قبل الثورة الفرنسية إذْ كان النظام السياسي نظاماً غير مركزي يستطيع الفرد أن يتنقل ويعمل ما يشاء دون إذن رسمي، وقد كانت الحريات متاحة بشكل كبير، ولكن بعد نظام الدولة الحديثة أصبح الفرد مقيداً بالأنظمة من كل مكان، وفي هذه الحالة إذا قيل يجب طاعة هذه الأنظمة التفصيلية المقيدة للحريات فإنه سيكون تقييد دقيق للفرد وقتل لإمكاناته وإبداعه باسم طاعة ولي الأمر.

ومن هنا يتبين الفرق بين طاعة ولي الأمر في كلام الفقهاء قديماً، وأنه لا يتجاوز عدم الخروج عليه بالسيف، والطاعة في المعروف، وبين القول بطاعة ولي الأمر في ظل نظام الدولة الحديثة الذي يشمل المنع من إقامة أي عمل ولو كان عملا خيرياً أو حسبة أو دعوة إلا بإذن مسبق.

5- دعوى عدم أهلية الأمة لممارسة الشورى بصورة صحيحة، وقد وجد في العصر الحديث من دعمها واحتج لها من وجه آخر وهو عدم اكتمال بناء الدولة ومؤسساتها، ومن أبرزهم الدكتور محمد جابر الأنصاري فهو يرى أن "الطبيعة السلطوية أو التسلطية الحادة للأنظمة العربية – من راديكالية وتقليدية على السواء –"لا تعود إلى " مسألة عطش الحاكم العربي إلى السلطة ليس إلا ؟" بل تعود إلى وجه موضوعي آخر وهو "وجه التطور التاريخي بمنطقه الذي يحتم إكتمال وإنضاج الدولة وسلطاتها وركائزها".

ويقول: "الدولة القطرية الحالية في معظم بيئاتها وأقطارها مازالت تمثل (مشروع دولة ولم تصل بعد إجمالاً إلى مرحلة الدولة المكتملة التكوين والنضج والمؤسسات والتقاليد والنظم.. وإكمال بناء الدولة بطبيعة الحال عملية نمو تاريخي لا يمكن إنجازه بين عشية وضحاها في ضوء غياب تاريخي للدولة أصلا"(41).

وهو يؤكد أن استبداد الحكومات أمر طبيعي حتى يتم استكمال بناء مؤسسات الدولة، وهذا الثبات أمر لابد منه لأنه داخل في سياق التطور التاريخي(42)، وإلى حين نضج مؤسسات الدولة والمجتمع فإنه من الواجب بقاء الصورة الاستبدادية على ما هي عليه.

6- دعم القوى الاستعمارية الأجنبية، والتي من مصلحتها بقاء الأمة الإسلامية تحت سلطة الأنظمة الاستبدادية، وهذا الدعم لا تكاد تخطؤه العين، ولا يزوغ عنه الفكر، فإن الولايات المتحدة عندما دخلت المنطقة كوريث للاستعمار الانجليزي والفرنسي بدأ دخولها بعد الحرب العالمية الثانية من خلال الانقلابات العسكرية المستبدة في الخمسينيات والستينيات، ثم استمرت في دعم الأنظمة الاستبدادية والوقوف في جانبها إلى اليوم.

هذه الأسباب وغيرها أوصلت الأمة إلى المرحلة المعاصرة من الاستبداد، وهي مرحلة شديدة الطغيان، وصل الظلم فيها إلى تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم، والتعاون مع العدو الكافر ضد مصالح الأمة العليا بغرض تحقيق مكاسب شخصية، والاعتداء على أديان الناس وأخلاقهم من خلال الإعلام، وسرقة المال العام وسوء تصريفه، وكبت الحريات الشرعية، ومنع المصلحين من ممارسة الإصلاح , والتدخل في القضاء لمآرب خاصة، والتعذيب والظلم في التحقيق والاستجواب,وخنق أنفاس المجتمع وقتل إمكانياته وإبداعه، والحرب الشرسة على الدعوة الإسلامية، وفتح الباب للمذاهب الإلحادية، والفساد الأخلاقي إلى غير ذلك من العدوان والمظالم.

أمام هذه الصورة القبيحة ظن البعض أنه لا مخرج إلا بتبني المنهج الليبرالي للخروج من المأزق، وأن المنهج الإسلامي لا يملك مخرجاً صحيحاً إذا لم يكن معيناً على الاستبداد وداعماً له، ولا شك أن الصورة القاتمة عن الإسلام هي التي جعلت هذه الفئة تختار فكراً وضعياً أجنبياً، وتقع المسؤولية على هذه الفئة نفسها لأنها لم تتعلم حقيقة الإسلام الصحيح، وكذلك على الفرق الضالة، وعلماء السوء، والمفرطين من أهل السنة والجماعة.

ومما شجع هذه الفئة للمنهج الليبرالي رؤيتهم لتطبيقات ذات جانب مشرق في النظم الغربية المعاصرة، مثل الحريات، وتداول السلطة، وضمانات الاستجواب، واستقلال القضاء، والمشاركة الشعبية، وغفلوا عن الجوانب المظلمة الأخرى.

----------------------------------
(1) انظر لسان العرب مادة "بدد"
(2) رواه البخاري -كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة - باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ـ 3 رقم 6830 –(8 /208)
وأحمد في المسند – (1 / 372).
(3)رواه النسائي في الكبرى - كتاب الرجم - باب تثبيت الرجم - رقم: 7116 (6 / 410)، وابن أبي شيبة في المصنف - باب ما جاء في خلاقة أي بكر وسيرته في الردة – (7 /431) , وجاء بلفظ " لا بيعة إلا عن مشورة " تاريخ المدينة لابن شبّه (3 /933).
(4)وقد وجدت ظاهرة المستبد العادل في تاريخ المسلمين،فانه مع انفراد الخلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين عن الأمة في تولية الحاكم إلا أن العدل والحكم بالشريعة والتزام الحكام لآداب الإسلام وأخلاقه لم يتغير كثيراً،ويشهد لهذا كتب التاريخ والتراجم،فتاريخ هذه الدول وتراجم ملوكها يدل بوضوح على هذا الأمر، وان كان الاستبداد يفتح أمام الحاكم إمكانية الظلم والفساد،وقد حصل بعض هذه الآثار، ولكن بقاء الإسلام في النفوس،وقوة تأثيره فيهم وعدم ظهور آثار الانحرافات العقدية جعل الأعم الأغلب هو العدل. أما في أوروبا فقد كان الطغيان بكل صوره – ومنه النظر للإمبراطور نظرة إلهية – هو المسيطر عليها ولم يظهر استعمال هذا المفهوم (المستبد المستنير) إلا في القرن الثامن عشر على يد المؤرخين الألمان، لان فريدريك الثاني ملك بروسيا (1740 -1786)هو نموذج هذا الوصف إذ كان يعتبر نفسه خادم الدولة الأول، انظر: الموسوعة السياسية (كيالي).
(5) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب غزوة الخندق وهي الأحزاب - رقم: 3799 (5 /137).
(6) وهنا يجب التأكيد على فضيلة الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، وفضله داخل في عموم النصوص الشرعية التي تبين فضائل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ،ولا يجوز لأحد أن يأخذ من زلته في تحويل الحكم إلى الوراثة ذريعة للطعن فيه؛ فهو من أفضل ملوك الاسلام ،وسيرته من أفضل السير، وفترة حكمه كانت من فترات العدل المميزة في التاريخ الاسلامي ، وعقيدة أهل السنة في الصحابة هي معرفة فضلهم وقدرهم الوارد في النصوص مع اعتقاد أن ما وقعوا فيه من التقصير معفو عنه بما لهم من الفضل ،والصحبة لا يعدلها شيئ في الفضل بعد النبوة، وفي فضل معاوية رضي الله عنه يراجع كتب فضائل الصحابة وغيرها.
(7) تاريخ خليفة ابن خياط ص 214.
(Cool تاريخ الإسلام للذهبي ص 148، وانظر البداية والنهاية 8 /92،فتح الباري 8/ 576 وما بعدها.
(9) تاريخ خليفة بن خياط ص 213 – 214.
(10) البداية والنهاية 8/ 153.
(11) انظر خروج الحسين، وابن الزبير، وعبد الله بن حنظله، وابن الأشعث،والنفس الزكية وغيرهم: في البداية والنهاية (11 /467 وما بعدها، وتاريخ الطبري (3 /275)، وتاريخ الإسلام للذهبي (عهد معاوية بن أبي سفيان "حوادث ووفيات 41-60هـ ",ص 167).
(12) انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/271،الأحكام السلطانية ص 19، غياث الأمم ص 106.
(13) وهذا ما فعله الدكتور على الدباغ في بحثه "الجذور الدينية للاستبداد" (الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة ص 49) حيث أتى بمفارقة غريبة فنسب الاستبداد إلى المنهج السني واستدل بتصرفات الحكام الخاطئة،واعتبر المذهب الشيعي داعيا للحرية والديمقراطية مع اعترافه ببناء المذهب الشيعي على أن الإمامة لا تكون إلا للمعصوم،وإذا كان الإمام معصوما فكيف يمكن محاسبته ومراقبته ؟ ومع وضوح المنطلق الاستبدادي في العقيدة الشيعية إلا أن التعصب المقيت أعمى الدباغ فصوره منهجا ديمقراطيا !!!. وفي ذات الوقت أهمل فترة الخلافة الراشدة واعتمد على أخطاء الملوك والحكام، وهم باتفاق ليسو محل استدلال ولا يؤخذ من تصرفاتهم تقويم للمنهج السني وقد افترى الدكتور حيدر إبراهيم علي على الإسلام وألبسه لباس الاستبداد ظلما وعدوانا فزعم أنه ينظر إلى الخليفة على أنه مكمل لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم،وهي مقولة شيعية لا تمت للدين بصلة ولكنه لا يعرف غيرها فنسبها للإسلام والمسلمين، ثم خلط بين تبرير الاستبداد،وبين ذكر محاسن الحكام وعدلهم وجهادهم في مرحلة (المستبد العادل)، وذكر المحاسن لا يعني الاعتذار عن استبداده،واستبداده لا يعني إلغاء حسناته، ويبدو أن جهل الدكتور حيدر بأحكام الإسلام وتطبيقاته في التاريخ الإسلامي كان سبباً في الصورة القاتمة التي تبناها حوله، ولهذا زعم أن فكرة العقد في الحكم لم تعرف في التاريخ الإسلامي،ورد ذلك لتصوره الشيعي الذي لا يفرق بين الحاكم والرسول صلى الله عليه وسلم فكلاهما معصوم لا يرد قوله. (انظر بحثه في كتاب الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة بعنوان: تجدد الاستبداد في الجزيرة العربية ص 175).
(14) رواه البخاري - كتاب الأحكام-باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية-رقم: 6609– (9 /78) من حديث أنس رضي الله عنه.
(15) رواه مسلم - كتاب الإيمان - باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان - رقم 78 (1 /69).
(16) رواه أحمد في المسند (2 /190)، والطبراني في المعجم الأوسط - رقم 7825 (8 /18)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح - تحقيق المسند: (11 /49).
(17) رواه أبو داود - في السنن - كتاب الملاحم - باب الأمر والنهي - رقم: 338 (5 / 56)، والترمذي في السنن - كتاب الفتن - باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - رقم 4005 (2 / 1327)، والبيهقي في السنن الكبرى (10 / 91)، من = حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال الترمذي: حديث حسن صحيح،وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح - مسند أحمد (1 / 153)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي - رقم 1761 – (2 /232).
(18) رواه أبو داود – كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي - رقم 2166 (4 / 407)، والترمذي – كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب ومن سورة المائدة - رقم 3048 (5 / 236)، وابن ماجة - كتاب الفتن - باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - رقم 3996 (2 / 1325)، والبيهقي في السنن الكبرى – (10 / 93) والطبراني في المعجم الكبير - رقم 10115 – (8 / 486)، والحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي - رقم 582 - ص 368 , والأحاديث السابقة شواهد له.
(19) رواه الحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب ذكر إسلام حمزة رضي الله عنه (3 / 195)، والطبراني في الأوسط - رقم 4079 (4 /238)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه،قال الحاكم: صحيح الإسناد،وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة - رقم 374ـ (1 /716).
(20) رواه أبو داود في السنن – كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي - رقم 4344 (5 / 59) , والترمذي في السنن - كتاب الفتن - باب ما جاء أن أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائز - رقم 2174 (4 / 409)، والنسائي في السنن - كتاب البيعة - باب فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر - رقم 4 (7 /161)، وابن ماجة في السنن - كتاب الفتن - باب الأمر بالمعروف والنهي عند المنكر - رقم 4001 (2 /1326)، وأحمد في مسنده رقم 5603 (5/ 251).
من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجة - رقم 324 (2 /369)، وانظر السلسلة الصحيحة- رقم 491.
(21) يراجع شواهد ذلك في كتب التراجم والسير.
(22) انظر حول حركة ابن الأشعث: تاريخ ابن جرير 3/622 وما بعدها، والبداية والنهاية 9 /40.
(23) انظر: تاريخ خليفة ابن خياط ص 286،وتاريخ ابن جرير 3 /631.
(24) السنة – عبد الله بن احمد – 1 /319، وابن بطة في الإبانة 2 /889.
(25) انظر: البداية والنهاية 8 /83.
(26) انظر: تاريخ الإسلام 151-152.
(27) انظر: الأحكام السلطانية ص 11.
(28) انظر: الأحكام السلطانية ص11
(29) انظر: شاهدا لذلك في الثقات – لابن حبان - 2 /191.
(30) تاريخ الطبري 2 /352.
(31) طبقات ابن سعد 3 /149.
(32) انظر: البداية والنهاية 7 /151.
(33) تاريخ الطبري 2 /696، 700.
(34) انظر: الأحكام السلطانية ص 11.
(35) انظر: حكاية ابن حزم للإجماع في الفصل 4 / 153.
(36) انظر مثلاً روضة الطالبين 10 /46.
(37) هناك فرق بين القول بجواز ولايته وبين السمع والطاعة بعد استقرار الأمر له، فان الطاعة بعد توليه لا تعني جواز توليه بالقوة، فالطاعة له تجب درءاً للفتنة الحاصلة من الخروج، أما ولايته فهي غير جائزة لان تغلبه بالقوة من جنس الظلم والذنوب.
(38) انظر: سيرة أعلام النبلاء 8 /67.
(39) منهاج السنة 6 / 430-431، انظر في الموضوع نفسه المواضيع التالية: 2 / 476 – 479، 3 /389، 4 /521، وهذه الطائفة المبالغة في طاعة ولي الأمر تنتسب إلى السنة مع مشابهتها للرافضة في دعوى عصمة الإمام، وقد أضرت كثيراً بالأمة حيث رسخت الاستبداد وبررت له، وأضعفت دور الأمة وعطلته، وأصبحت أداة للظلمة من الحكام في إخضاع الأمة وإذلالها، وحُرم الحكام خيراً كثيراً من النصيحة والتوجيه والأطر على الحق وهو خيرٌ له من موافقته على الباطل وطاعته فيه، ولا تزال هذه الأفكار موجودة إلى اليوم، تزيد عند البعض وتنقص عند آخرين، ومما يجب الاعتراف به أن المسئولية عن ترسيخ الاستبداد السياسي ليست مقصورة على الإرجاء والتصوف والجبر ونحوه، ولكن بعض شيوخ أهل السنة شارك في ذلك سواء قديماً أو حديثاً، ولكن هذه الزلة لا تمثل السنة ذاتها، والواجب هو توضيح الحق ورد الباطل من أي جهة كانت، والمطلع على أفكار وآراء بعض أهل السنة المعاصرين في الفكرالسياسي يجد فيه ضلالاً كبيراً يزيد مشكلة الأمة ويعمق أزمتها، والواقع يشهد بذلك.
(40) انظر: منهاج السنة 1 /106 – 110.
(41) تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية ص 187، 189، 190، وانظر أيضاً للكاتب نفسه: بحث ضمن المسألة الديمقراطية في الوطن العربي ص 105-115.
(42)انظر المصدر السابق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://marym.rigala.net
باحث سياسي
Admin



المساهمات : 12
تاريخ التسجيل : 09/03/2015
الموقع : https://www.facebook.com/

موضوعك الأول Empty
مُساهمةموضوع: تعريف الليبرالية نشأتها و مجالاتها   موضوعك الأول Icon_minitimeالإثنين مارس 09, 2015 1:52 pm

المبحث الأول : مفهوم الليبرالية

من الصعوبة بمكان تحديد تعريف دقيق لليبرالية , وذلك بسبب تعدد جوانبها ,وتطورها من جيل إلى جيل .
يقول الأستاذ وضاح نصر : "تبدو بلورة تعريف واضح ودقيق لمفهوم الليبرالية أمراً صعباً وربما عديم الجدوى . وفي حال تحديد الليبرالية نجد أن هذا التحديد لا ينطبق على عدد من الفلاسفة والمفكرين الذين سيموا بسمة الليبرالية([1])

وقد قررت موسوعة لالاند الفلسفية الالتباس الحاصل في مفهوم الليبرالية ؛ فجاء فيها "نرى من خلال التعريفات السابقة مدى التباس هذا اللفظ . ومما يزيد في الالتباس استعماله الطارئ المتداول في أيامنا للدلّ على الأحزاب أو النزعات السياسيَّة" . ([2])

وفي الموسوعة العربية العالمية "وتعتبر الليبرالية مصطلحاً غامضاً لأن معناها وتأكيداتها تبدَّلت بصورة ملحوظة بمرور السنين" ([3])

وقال الدكتور يوسف القرضاوي :"وأمثال هذه المصطلحات التي تدل على مفاهيم عقائدية ليس لها مدلول واحد محدد عند الأوربيين . لهذا تفسر في بلد بما لاتفسر به في بلد آخر, وتفهم عند فيلسوف بما لاتفهم به عند غيره , وتطبق في مرحلة بما لاتطبق به في أخرى .
ومن هنا كان اختلاف التعريفات لهذه المفاهيم , وكانت الصعوبة في وضع تعريف منطقي جامع مانع يحدد مدلولها بدقة . حتى اشتقاق كلمة "ليبرالي" نفسها اختلفوا فيه :هل هي مأخوذة من (ليبرتي) التي معناها الحرية كما هو مشهور أم هي مأخوذة من أصل أسباني ؟" ([4])

ولكن لليبرالية جوهر أساسي يتفق عليه جميع الليبراليين في كافة العصور مع اختلاف توجهاتهم وكيفية تطبيقها كوسيلة من وسائل الإصلاح والإنتاج .
هذا الجوهر هو " أن الليبرالية تعتبر الحرية المبدأ والمنتهى , الباعث والهدف , الأصل والنتيجة في حياة الإنسان , وهي المنظومة الفكرية الوحيدة التي لا تطمع في شيء سوى وصف النشاط البشري الحر وشرح أوجهه والتعليق عليه" ([5])

يقول الأستاذ وضاح نصر : "وإذا كان لليبرالية من جوهر فهو التركيز على أهمية الفرد وضرورة تحرره من كل نوع من أنواع السيطرة والاستبداد , فالليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من التسلط بنوعيه : تسلط الدولة (الاستبداد السياسي) , وتسلط الجماعة (الاستبداد الاجتماعي) , لذلك نجد الجذور التاريخيَّة لليبرالية في الحركات التي جعلت الفرد غاية بذاته , معارضة في كثير من الأحيان التقاليد والأعراف والسلطة رافضة جعل إرادة الفرد مجرد امتداد لإرادة الجماعة" ([6])
وأهم ما يميز الأدبيات الليبرالية الكلاسيكية المعاصرة هو اهتمامها المفرط بمبدأ الحرية , حيث يفترض الفكر الليبرالي أن الحرية هي الغاية الأولى والرئيسيَّة التي يتطلع لها الفرد بطبيعته.
وأنه لا يوجد إجابة مطلقة للسؤال الفلسفي المشهور : ما هي الحياة المثلى للإنسان ؟ لأن لكل فرد الحق والحرية في اختيار أسلوب الحياة الذي يناسبه .([7])
إذن : مبدأ الحرية وتحقيق الفرد لذاته تمثل نقطة انطلاق في الفكر الليبرالي بكل أطيافه , وفي كل المجالات المختلفة .
وقد ورد في موسوعة لالاند أن "هذا الاسم (الليبرالية) عينه يدل خاصة على العقائد التي تعتبر ازدياد الحرية الفردية من مثلها , والعقائد التي ترى أن الحد من دور الدولة هو بمنزلة وسيلة أساسية لهذه الحرية" ([8])
والأساس الفلسفي الذي ينطلق منه الفكر الليبرالي هو المذهب الفردي الذي يرى أن الحرية الفردية هدفاً وغاية ينبغي تحقيقها. وقد عُرِّفت الليبرالية مجموعة تعريفات بحسب المجال التي تعرَّف من خلاله. ([9])

يقول منير البعلبكي :"والليبرالية تعارض المؤسسات السياسية والدينية التي تحد من الحرية الفردية ... وتطالب بحقه في حرية التعبير وتكافؤ الفرص والثقافة الواسعة". ([10])
وفي المؤسسة العربية أن الليبرالية :"فلسفة اقتصادية وسياسية تؤكد على الحرية والمساواة وإتاحة الفرص" ([11])
وهذا التعريف ليس تعريفاً دقيقاً لمذهب فلسفي تغيَّر مفهومه مع السنين بسبب التقلبات الفكرية والسياسية والاجتماعية .
والحقيقة أن التعريف الدقيق لهذا المصطلح هو تعريفه بحسب المجال الذي يعرف من خلاله, نعرفها على النحو التالي : ليبرالية السياسة , وليبرالية الاقتصاد , وليبرالية الأخلاق ... وهكذا . وهذا ما قامت به موسوعة لالاند الفلسفيّة .
وسيأتي تعريف كل نوع على حدة في مبحث مجالات الليبرالية .

وإذا تتبعنا مراحل الليبرالية التي مرت بها نجد أنها على النحو التالي : ([12])
(1) مرحلة التكوين , والمفهوم الأساسي في هذه المرحلة هو مفهوم ذات الإنسان باعتباره الفاعل صاحب الاختيار والمبادرة .
(2) مرحلة الاكتمال , ومفهومها الأساسي هو مفهوم الفرد العاقل المالك لحياته وبدنه وذهنه وعمله , وعلى أساس هذا المفهوم شيد علم الاقتصاد العقلي المخالف للاقتصاد الإقطاعي المتفكك , وشيد علم السياسة العقلية المبني على نظرية العقد , والمخالف لسياسة الاستبداد المترهل المنخور .
(3) مرحلة الاستقلال , ومفهومها الأساسي هو مفهوم المبادرة الخلاّقة من المحافظة على الحقوق الموروثة , والاعتماد على التطور البطيء , وهو تطور من العقل الخيالي إلى الملك الواقعي .
(4) مرحلة التقوقع , ومفهومها الأساسي هو مفهوم المغايرة والاعتراض وترك مسايرة الآراء الغالبة , لأن الخلاف والاعتراض يبعد عن التقليد ويولد الإبداع .
ليس الغرض من بيان مراحل الليبرالية تاريخ تطور الفكر الليبرالي بل تحديد منظومة الأفكار المختلفة التي يتبين من خلالها خطأ إعطاء تعريف واحد لهذه الفلسفة صاحبة المفاهيم المتعددة .
ويلاحظ (رانزولي) أن هذه الكلمة تستعمل في إنكلترا خصوصاً بالمعنى الاقتصادي , بينما تكاد تستعمل دائماً في إيطاليا بالمعنى السياسي الديني . ([13])
ويحاول طوكفيل – أحد أقطاب الليبرالية في القرن التاسع عشر – أن يحدد معنى الحرية فيقول :"إن معنى الحرية الصحيح هو أن كل إنسان نفترض فيه أنه خلق عاقلاً يستطيع حسن التصرف , يملك حقاً لايقبل التفويت في أن يعيش مستقلاً عن الآخرين في كل ما يتعلق بذاته وأن ينظم كما يشاء حياته الشخصية" ([14])ونظراً لكون الحرية مفهوماً عاماً يوصل إلى التعارض والتنازع بين الحريات المتناقضة فإن هيمون يتمنى أن توضع الليبرالية في مقابل النظرية الانفلاتية , وهذا تغيير لمفهوم الحرية (الانفلات)"وعندئذ يمكن أن تكون الأولى (الليبرالية)معتبرة بوصفها النظرية الأخلاقية والسياسية التي تتوق إلى حرية الفرد أيما توق , وتحدّ في الوقت نفسه من المطالبة أو الحصول على هذه الحريات عندما تغدو إباحيات مضرة بالآخر (بمعنى إعلان الحقوق) في المقابل يمكن للنظرية الانفلاتية أن تكون صورة للفردية التي لاتعترف بأي حد مألوف وقانوني للحرية الفردية فهي وحدها الحكم على حقوق الفرد وفقاً لقوته" ([15])
ويقابل الليبرالية مجموعة من المصطلحات المناقضة لمفهوم الحرية بالمعنى الليبرالي مثل الاستبدادية ([16]) autocrtisme) (, والحكومة الأوتوقراطية هي الحكومة الفردية المطلقة المستبدة , و autocratic) ) أي حاكم استبدادي .([17])

خلاصة :
الليبرالية لها مفاهيم متعددة بحسب ما تضاف إليه , ويجمعها الاهتمام المفرط بالحرية , وتحقيق الفرد لذاته , واعتبار الحرية هدفاً وغاية في ذاتها .
فالليبرالية هي "نظرية الحرية" , وهي نظرية ذات أطياف متعددة وجوانب مختلفة , وبمقادير متفاوتة .
والحرية – كما يلا حظ الباحث المدقق – مفهوم عام يمكن أن يعني به الحرية المطلقة دون معنى محددا , وقد يريد به البعض معنا محددا معينا.
ولكن المفهوم الفلسفي لهذا المذهب الفكري هو الحرية المطلقة التي لا تحدها الحدود ولا تمنعها السدود الا ما كان فيها تجاوز لحريات الآخرين على قاعدة ( تنتهي حريتك حيث تبدأ حريات الآخرين ) .
ومن أستعمل هذا المصطلح لغير هذا المفهوم الشمولي فهو غير مصيب في استعمال المصطلح في غير مجاله وكان الأولى به البحث عن لفظ يناسب معناه غير هذا المصطلح .
وهذا يكشف مدى تردد الليبراليين العرب بين مفهوم المصطلح الفلسفي وبين انتسابهم للأسلام المناقض له من الجذور والأصول .

المبحث الثاني : الليبرالية عند جون ستوارت مل ([18])
يعتبر (ملْ) من أبرز المفكرين الغربيين الذين نظّروا للفلسفة الليبرالية من خلال كتابه (في الحرية – on librty) ([19]) – والذي أصبح المصدر الأساسي لفكر الليبراليين العرب من أمثال أحمد لطفي السيد , وطه حسين , وحسين هيكل . ([20])
أخذ (مل)موضوع الليبرالية من الجهة التطبيقية والاجتماعية ولم يناقشها من الناحية الفلسفية المجردة فيقول :"لا يتناول هذا المقال ما يسمى حرية الإرادة , وهي التي تتعارض مع ما يدعى خطأ بفلسفة الضرورة , ولكنه بحث في الحرية المدنية الاجتماعية". ([21])
وقد تحدث (مل) عن حركة الفكر وقال عن المعتقدات الدينية :"ولاأقول أن الاعتقاد بصدق العقيدة مدعاة للعصمة , بل إن ماأقوله إن ادعاء العصمة معناه إجبار الغير على قبول ما نراه في العقيدة دون أن نسمع رأيه فيها , ولا أستطيع أن أدعي العصمة حتى وإن كانت لحماية أعز معتقداتي".
ويقيد مل الحرية حتى لاتصبح انفلاتية متناقضة فيقول :"كلما تعين ضرر واقع أو محتمل, إما للفرد وإما للعموم ينزع الفعل الذي يتسبب في الضرر من حيّز الحرية ليلحق بحيّز الأخلاق أو بحيّز القانون".
ويقول :"إن ما يخص الفرد وحده هو من حقوقه , ومايخص المجتمع فهو حق للمجتمع".
ويرى مل أن الدولة لابد أن يكون لها حَدّ معين تقف عنده لينمو رصيد الحرية عند الأفراد سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو غيره وأنه بدون ذلك سيتحول الأمر إلى استبداد حتى لو كان هناك حرية في مجال معين أو انتخاب تشريعي. ([22])
يقول مل :
"إذا كانت الطرق والسكك والبنوك ودور التأمين والشركات بالمساهمة والجامعات والجمعيات الخيرية كلها تابعة لإدارة الحكومة , وإذا أصبحت – زيادة على ماسبق – البلديات والجماعات المحلية مع مايترتب عنها اليوم من مسؤوليات , أقساماً متفرعة عن الإرادة المركزية, إذا كانت الحكومة هي التي تعيّن موظفي تلك المصالح وتكافؤهم بحيث يعود أملهم في تحسين معاشهم معقوداً عليها , إذا حصل كل هذا , حينئذ تصبح الحرية اسماً بلا مسمى , رغم المحافظة على حرية الصحافة وعلى انتخاب المجلس التشريعي بالاقتراع العام".
ورغم أن الديمقراطية من إفرازات الليبرالية إلا أن (مل) ينتقد الديمقراطية لأنه يعتبرها هيمنة للأكثرية على حرية الأقلية ولو كان فرداً واحداً.
يقول ملْ:
"إن مشكلة الحرية تُطرح بإلحاح داخل الدولة الديمقراطية.. بقدر ما تزداد الحكومة ديمقراطية بقدر ما ينقص ضمان الحرية الفردية".
ويقول عن إنجلترا :"ليست هذه البلاد وطناً لحرية الفكر".
وتوضيح ذلك :
أن من مقومات الليبرالية المهمة ضرورة الاعتراض والمغايرة لينمو بذلك الفكر الحر أما إذا كانت الأمور مسلمة لا تحتمل النقد يجمد الفكر ويضمحل الابتكار.
يقول :"عندما نقبل أن تكون المبادئ مسلمات لاتحتمل النقد , وأن تكون المسائل الكبرى التي تهم البشر موضحة بدون نقاش محدد , حينذاك يضمر النشاط الفكري الذي طبع الفترات الذهبية من تاريخ الإنسان".
ويعتبر ذلك من أبرز صور الاستبداد لأن مخالفة الجمهور وحيوية النقاش وبلورة الشخصية الفردية هي أساس التطور والتقدم والتحديث , ومن لم يكن كذلك فلا تاريخ له بالمعنى الحقيقي .
يقول (مل):
"إن القسم الأكبر من الإنسانية لا يملك تاريخاً بالمعنى الحقيقي لأنه يئن تحت وطأة الاستبداد".

الدين في كتاب ستوارت ملْ ([23])
يرى ملْ أن المجتمع الديني غير ليبرالي لأنه مجتمع في نظامه للحكم فردي استبدادي , ونظامه الاجتماعي العام مؤسس ([24]) على الإجماع في الرأي وعلى تحريم النقد والنقاش المفتوح.
وهو ينتقد كل دين أو مجتمع متشدد في قوانينه الأخلاقية والدينية أي التي يضعها فوق النقاش . بما في ذلك المجتمع اليوناني في زمن نهضة العلوم , والإصلاح الديني (البروتستانت) والمجتمع الإنجليزي والأمريكي .
ويصرح ملْ بنقد الدين في اعتراضه على تحريم تجارة الخمر ,فيقول :"إن التحريم يمس حرية الفرد لأنه يفترض الفرد لا يعرف مصلحته"
وكذلك تحريم أكل لحم الخنـزير , فيقول :"إن للمسلمين الحق في تجنبهم لحم الخنـزير لأنهم يعافونه , لكنهم عندما يحتقرون غيرهم ممن لا يعافه ويأكله , فإنهم يمسون بحرية ذلك الغير".
وهو يعارض فكرة الحسبة لأنه يعتبر ذلك وضعاً للنفس في موضع الإله , يقول :"إن الناس عندما ينهون غيرهم عن المنكر يعتقدون أن الله لا يكره فقط من يعصي أوامره , بل سيعاقب أيضاً من لم ينتقم في الحال من ذلك العاصي".ومن الطريف أن ستوارت ملْ يعود إلى الاعتراف بأهمية الحسبة ويناقض نفسه لمّا طرح الأسئلة التالية : هل يجوز السماح ببيع السم أو التبغ أو الخمر ؟ هل يسمح للمرء أن يبيع نفسه لغيره ؟ هل يجب إجبار المرء على التعلم ؟ هل يجب تحديد النسل ؟ ولنقارن الآن بين قول ملْ الآتي وبين إنكاره مفهوم الحسبة بأنه اتهام للإنسان أنه لا يعرف مصلحته يقول :"في كل قضية من القضايا السابقة إن عدم تدخل الدولة قد يؤدي إلى أن يضر المرء نفسه بنفسه : أن يبقى جاهلاً أو أن يبذر ماله أو أن يسمم أقرباءه أو أن يبيع نفسه , ولكن إذا تدخلت الدولة ومنعت بعض الأنشطة , فسيكون المنع بالنسبة للرجل العاقل تجنياً على حقه في التصرف الحر".

ويقول :" إذا كانت الدولة مسؤولة على تغذية الفقراء فلها الحق أن تحد النسل , أما إذا تركت الناس ينجبون كما شاؤوا فليس عليها أن تعيل الفقراء" ([25])
وهنا يناقض ملْ نفسه في عدة قضايا :
- في تدخل الدولة للمصلحة لأنه ليس كل إنسان يعرف مصلحة نفسه .
- في إبطال قاعدة أن الإنسان يعرف مصلحته ولا يحتاج إلى وصاية .
- في إنكار مبدأ الحسبة وتقييد الحريات المطلقة.


المبحث الثالث : نشأة الليبرالية وتطورها

نشأة الليبرالية وجذورها
نشأت الليبرالية في التغيرات الاجتماعية التي عصفت بأوربا منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، وطبيعة التغير الاجتماعي والفكري يأتي بشكل متدرج بطيء.
وهي لم " تتبلور كنظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع على يد مفكر واحد، بل أسهم عدة مفكرين في إعطائها شكلها الأساسي وطابعها المميز.
فالليبرالية ليست اللوكية ( نسبة إلى جون لوك 1632 – 1704 )، أو الروسووية ( نسبة إلى جان جاك روسو 1712-1778 ) أو الملّية ( نسبة إلى جون ستوارت ملْ 1806-1873 )، وإن كان كل واحد من هؤلاء أسهم إسهاماً بارزاً أو فعالاً في إعطائها كثيراً من ملامحها وخصائصها"([26])

وقد حاول البعض تحديد بداية لبعض مجالاتها ففي موسوعة لا لاند الفلسفية "الليبرالي ( أول استعمال للفظة ) هو الحزب الأسباني الذي أراد نحو 1810م أن يدخل في أسبانيا من الطراز الإنكليزي.)([27])
ويذكر الأستاذ وضاح نصر: " أن الليبرالية في الفكر السياسي الغربي الحديث نشأت وتطورت في القرن السابع عشر، وذلك على الرغم من أن لفظتي ليبرالي وليبرالية لم تكونا متداولتين قبل القرن التاسع عشر.([28])
قال منير البعلبكي :" الليبرالية(liberalism)فلسفة سياسية ظهرت في أوربا في أوائل القرن التاسع، ثم اتخذت منذ ذلك الحين أشكالاً مختلفة في أزمنة وأماكن مختلفة([29])
والظاهر من تاريخ الليبرالية أنها كانت رد فعل لتسلط الكنيسة والإقطاع في العصور الوسطي بأوربا ، مما أدى إلى انتفاضة الشعوب ، وثورة الجماهير ، وبخاصة الطبقة الوسطي.والمناداة بالحرية والإخاء والمساواة، وقد ظهر ذلك في الثورة الفرنسية. وقد تبين فيما بعد أن هناك قوى شيطانية خفية حولت أهداف الثورة وغايتها([30]).
وبهذا يتضح لنا أن الليبرالية في صورتها المعاصرة نشأت مع النهضة الأوربية ثم تطورت في عصور مختلفة إلى يومنا هذا.
ويرد بعض الباحثين جذور الليبرالية إلى ديمقراطيّ أثينا في القرن الخامس قبل المسيح، والرواقين في المراحل الأولى من المسيحية، ثم حرك الإصلاح البروتستانتية([31]).
وقد ذكر البعلبكي أن في حركة الإصلا الديني توجهاً ليبرالياً فقال: " كما يطلق لفظ الليبرالية كذلك على حركة في البروتستانتية المعاصرة تؤكد على الحرية العقلية ([32]).
يقول الدكتور علي بن عبد الرزاق الزبيدي: " ومن الصعب تحديد تاريخ معين لنشأة الليبرالية فجذورها تمتد عميقة في التاريخ([33]).
ويعتبر جون لوك من أوائل الفلاسفة الليبراليين وفلسفة تتعلق بالليبرالية السياسية.

تطور الليبرالية :
أخذت الليبرالية أطواراً متعددة بحسب الزمان والمكان وتغيرت مفاهيمها في أطوارها المختلفة ، وهي تتفق في كل أطوارها على التأكيد على الحرية وإعطاء الفرد حريته وعدم التدخل فيها.
ويمكن أن نشير إلى طورين مهمين فيها:

أولاً : الليبرالية الكلاسيكية :
يعتبر جوك لوك ( 1704م ) أبرز فلاسفة الليبرالية الكلاسيكية، ونظريته تتعلق بالليبرالية السياسية، وتنطلق نظريته من فكرة العقد الاجتماعي في تصوره لوجود الدولة، وهذا في حد ذاته هدم لنظرية الحق الإلهي التي تتزعمها الكنيسة.
وقد تميز لوك عن غيره من فلاسفة العقد الاجتماعي بأن السلطة أو الحكومة مقيدة بقبول الأفراد لها ولذلك يمكن بسحب السلطة الثقة فيها([34]).
وهذه الليبرالية الإنكليزية هي التي شاعت في البلاد العربية أثناء عملية النقل الأعمى لما عند الأوربيين باسم الحضارة ومسايرة الركب في جيل النهضة كما يحلو لهم تسميته.
يقول القرضاوي : " وهي التي يمكن أن يحددها بعضهم بـ" ليبرالية ألوكز" وهي التي أوضحها جوك لوك وطورها الاقتصاديون الكلاسيكيون ، وهي ليبرالية ترتكز على مفهوم التحرر من تدخل الدولة في تصرفات الأفراد،سواء كان هذا في السلوك الشخصي للفردأم في حقوقه الطبيعية أم في نشاطه الاقتصادي آخذاً بمبدأ دعه يعمل"([35]).
وقد أبرز آدم سميث (1790م) الليبرالية الاقتصادية وهي الحرية المطلقة في المال دون تقييد أو تدخل من الدولة.
وقد تكونت الديمقراطية والرأسماليّة من خلال هذه الليبرالية، فهي روح المذهبين وأساس تكوينها، وهي مستوحاة من شعار الثورة الفرنسية " دعه يعمل " وهذه في الحرية الاقتصادية " دعه يمر " في الحرية السياسية. وسيأتي التفصيل في مجالات الليبرالية.

ثانياً : الليبرالية المعاصرة :
" تعرضت الليبرالية في القرن العشرين لتغيّر ذي دلالة في توكيداتها. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، بدأ العديد من الليبراليين يفكرون في شروط حرية انتهاز الفرص أكثر من التفكير في شروط من هذا القيد أو ذاك. وانتهوا إلى أن دور الحكومة ضروري على الأقل من أجل توفير الشروط التي يمكن فيها للأفراد أن يحققوا قدراتهم بوصفهم بشراً.
ويحبذ الليبراليون اليوم التنظيم النشط من قبل الحكومة للاقتصاد من أجل صالح المنفعة العامة. وفي الواقع، فإنهم يؤيدون برامج الحكومة لتوفير ضمان اقتصادي، وللتخفف من معاناة الإنسان.
وهذه البرامج تتضمن : التأمين ضد البطالة ، قوانين الحد الأدنى من الأجور ، ومعاشات كبار السن ، والتأمين الصحي.
ويؤمن الليبراليون المعاصرون بإعطاء الأهمية الأولى لحرية الفرد ، غير أنهم يتمسكون بأن على الحكومة أن تزيل بشكل فعال العقبات التي تواجه التمتع بتلك الحرية.
واليوم يطلق على أولئك الذي يؤيدون الأفكار الليبرالية القديمة : المحافظون([36]).
ونلاحظ أن أبرز نقطة في التمايز بين الطورين السابقين هو في مدى تخل الدولة في تنظيم الحريات ، ففي الليبرالية الكلايسيكية لا تتدخل الدولة في الحريات بل الواجب عليها حمايتها ليحقق الفرد حريته الخاصة بالطريقة التي يريد دون وصاية عليه ، أما في الليبرالية المعاصرة فقد تغير ذلك وطلبوا تدخل الدولة لتنظيم الحريات وإزالة العقبات التي تكون سبباً في عدم التمتع بتلك الحريات.
وهذه نقطة جوهرية تؤكد لنا أن الليبرالية اختلفت من عصر إلى عصر ، ومن فيلسوف إلى آخر ، ومن بلدٍ إلى بلدٍ ، وهذا يجعل مفهومها غامضاً كما تقدم.
وقد تعرف الليبرالية تطورات أخرى في المستقبل ، ولعل أبرز ما يتوقع في الليبرالية هو التطور نحو العولمة التي هي طور ليبرالي خطير وسيأتي الإشارة إليه في المبحث الرابع.



المبحث الرابع : مجالات الليبرالية

تعددت مجالات الليبرالية بحسب النشاط الإنساني . وذلك أن الليبرالية مفهوم شمولي يتعلق بإدارة الإنسان وحريته في تحقيق هذه الإرادة فكل نشاط بشري يمكن أن تكون الليبرالية داخلة فيه من هذه الزاوية ، وبهذا الاعتبار.
" إن خصوصية الليبرالي عامة أنه يرى في الحرية أصل الإنسانية الحقّة وباعثة التاريخ. وخير دواء لكل نقص أو تعثر أو انكسار "([37])

وأبرز هذه المجالات شهرة : المجال السياسي ، والمجال الاقتصادي.
أولاً : ليبرالاية السياسة
في موسوعة لالاند الفلسفية: " الليبرالية: مذهب سياسي يرى أن من المستحسن أن تزاد إلى أبعد حد ممكن استقلالية السلطة التشريعية والسلطة القضائية بالنسبة إلى السلطة الإجرائية التنفيذية ، وأن يعطى للمواطنين أكبر قد من الضمانات في مواجهة تعسف الحكم".([38])
ويقول منير البعلبكي : " الليبرالية liberalism فلسفة سياسية ظهرت في أوربا في أوائل القرن التاسع عشر.. تعارض المؤسسات السياسية والدينية. التي تحد من الحرية الفردية ، وتنادي بأن الإنسان كائن خيّر عقلاني ، وتطالب بحقه في التعبير وتكافؤ الفرص والثقافة الواسعة([39]).
وتعتبر الديمقراطية من النظم الليبرالية التي تسعى لإعطاء الفرد حقوقه وهي نوع من التطبيق العلمي للفكر الليبرالي. يقول الدكتور حازم البيلاوي : " فنقطة البدء في الفكر الليبرالي هي ليس فقط أنها تدعو للديمقراطية بمعنى المشاركة في الحكم ، ولكن نقطة البدء هو أنه فكر فردي يرى أن المجتمع لا يعدو أن يكون مجموعة من الأفراد التي يسعى كل فرد فيها إلى تحقيق ذاته وأهدافه الخاصة([40]).
وقد أعطت الديمقراطية كنظام سياسي جملة من الحريات السياسية مثل : حرية الترشيح ، وحرية التفكير والتعبير ، وحرية الاجتماع ، وحرية الاحتجاج ، كما أعطت جملة من الضمانات المانعة من الاعتداء على الأفراد وحرياتهم مثل : ضمان الاتهام ، وضمان التحقيق ، وضما التنفيذ، وضمان الدفاع".([41])
"وقد أدّت الثورات الليبرالية إلى قيام حكومات عديدة تستند إلى دستور قائم على موافقة المحكومين.وقد وضعت مثل هذه الحكومات الدستورية العديد من لوائح الحقوق التي أعلنت حقوق الأفراد في مجالات الرأي والصحافة والاجتماع والدين.كذلك حاولت لوائح الحقوق أن توفر ضمانات ضد سوء استعمال السلطة من قبل الشرطة والمحاكم"([42]).
ومع ذلك فإن الليبرالية تطالب من الدول الديمقراطية مزيداً من الحريات تطالب بالتخفف من السلطة على الأفراد ليحصل بذلك الفرد على حريته.
ويرى سبنسر أن وظائف الدولة يجب أن تحصر في الشرطة والعدل والدفاع العسكري بمواجهة الأجنبي([43]).
ويظهر من ذلك المطالبة بغياب الدولة إلا فيما يتعلق بالحماية العامة للمجتمع ، وهذا هو رأي الليبراليين الكلاسيكيين. وقد انقرض هذا الرأي في الليبرالية المعاصرة التي جنحت إلى اعتبار الحرية الفردية هدفاً ولو بتدخل الدولة . بينما كان المذهب الأساسي عند الكلاسيكيين المطالبة بغياب الدولة مهما تكن نتائجه على الفرد([44]).
وقد اختلف الليبراليون الكلاسيكيون مع الديمقراطيين في من يملك حق التشريع العام ، فالديمقراطيون يرون أن الأكثرية هي التي تقرر وتشرع وتمسك بزمام السلطة. أما الليبراليون فقد اهتموا بحماية الفرد من الأذى، وأن هذا هو مهمة القانون بدل التشديد على حق الآخرين بسبب الأكثرية ، وهذه من نقاط التصادم بينهم"([45]).
ولكن الليبرالية اختلفت في الواقع المعاصر عمّا كانت عليه سابقاً.
ويمكن أن نطلق على التوجه الجديد ( الليبرالية الجديدة ) وبرروا ذلك بأنه نتيجة لعدم مسايرة الليبرالية التقليدية للتطور الذي شهده العالم كان ذلك هو السبب في ولادة ليبرالية جديدة تتلاءم وظروف المجتمع الجديد ، وهي ليبرالية ما بعد الحرب العالمية الثانية([46]).
والفرق بينهما فيما يتعلق بالسياسة هو :
أن دور الدولة في ظل النظرة الجديدة يجب أن يكون أكبر ، فلها مهمة أساسية هي تحديد الإطار القانوني للمؤسسات التي يدور فيها النشاط الاقتصادي ، وقد حدد منظرو الليبرالية الجديدة دور الدولة الذي يجب أن تقوم به بما يلي :-
1-أن تعمل كل جهدها ضد التضخم والانكماش.
2-أن تحد بشكل معتدل من سلطة الاحتكار وبشكل تتابعي.
3-أن تؤمم فقط الاحتكارات التي لا يمكن للقطاع الخاص.
4-أن تتحمل كافة الخدمات العامة.
5-أن تعطي الفرص والموارد بالتساوي.
6-أن تطبق التخطيط التأثيري من أجل التقليل من المخاطر التي قد تحدث.
7-أن تطبق التخطيط المركزي عندما يقتضي أن يكون هناك عمل تغير بنائي.
8-أن تتدخل عندما يكون هناك خلل في ميكانيكية السوق([47]).

ثانياً : ليبرالية الاقتصاد
الليبرالية الاقتصادية: " مذهب اقتصادي يرى أن الدولة لا ينبغي لها أن تتولى وظائف صناعية ، ولا وظائف تجارية ، وأنها لا يحقّ لها التدخل في العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين الأفراد والطبقات أو الأمم. بهذا المعنى يقال غالباً ليبرالية اقتصادية"([48]).
ويلاحظ أن هذا التعريف واقع على الليبرالية الكلاسيكية قبل التحول الكبير الذي تم في الليبرالية الجديدة على نحو ما سيأتي.
ويقول البعلبكي " ويطلق لفظ الليبرالية أيضاً على سياسة اقتصادية نشأت في القرن التاسع عشر متأثرة بآراء آدم سميث بخاصة ، وأكدت على حرية التجارة وحرية المنافسة ، وعارضت تدخل الدولة في الاقتصاد"([49]).
والليبرالية الاقتصادية وثيقة الصلة بالليبرالية السياسية ، ويعتقد الليبراليون أن الحكومة التي تحكم بالحد الأدنى يكون حكمها هو الأفضل.. ويرون أن الاقتصاد ينظم نفسه بنفسه إذا ما ترك يعمل بمفرده حراً ، ويرون أن تنظيمات الحكومة ليست ضرورية([50]).
وأبرز النظم الاقتصادية الليبرالية هو نظام " الرأسمالية " التي رتّب أفكاره عالم الاقتصاد الاسكتلندي آدم سميث في كتابه ( ثروة الأمم ).
ويدخل في الحرية التي يطالب بها الليبراليون حرية حركة المال والتجارة ، وحرية العمل وحرية التعاقد ، وحرية ممارسة أي مهنة أو نشاط اقتصادي آخذاً من الشعار الشهير للثورة الفرنسية " دعه يعمل دعه يمر."
والذي يحكم قواعد اللعبة الاقتصادية وقيمها هو سوق العرض والطلب دون أي تقييد حكومي أو نقابة عمالية. فللعامل الحرية في العمل أو الترك كما لصاحب رأس المال الحرية المطلقة في توظيف العدد الذي يريد بالأجرة التي يريد([51]).
ولكن سبق أن ذكرنا أن المفهوم الليبرالي تغير وبرزت الليبرالية الجديدة عل السطح بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة والكساد وذلك لتمركز رأس المال وظهور الاحتكارات الصناعية الضخمة ، وانهيار قاعدة الصرف بالذهب وأزمة الثورات العمالية في ألمانيا مما جعل الحكومات تتدخل لإنعاش الاقتصاد فتغيرت الأيديولوجية الليبرالية إلى القول بأهمية تدخل الحكومة لتنظيم السوق([52]).
وقد فصّل صاحب كتاب " الليبرالية المتوحشة " كيفية تدخل الدولة لإنعاش الاقتصاد وإصلاح السوق ، وبهذه المرحلة تغيب شمس الليبرالية الكلاسيكية حيث أبطل الواقع فكرة إصلاح السوق لنفسه لتبرز إلى السطح الليبرالية الجديدة بقوة.
وقد أطيل النفس في مراحل الاقتصاد الليبرالي في الكتاب سابق الذكر، ونقد فكر الليبرالية الجديدة واقعياً ببيان انحدار الازدهار الاقتصادي الذي حققته الرأسمالية بعد الحرب الكونية الثانية ، فبدأت معدلات النمو الاقتصادي في التراجع وارتفعت معدلات البطالة والطاقة المعطلة ، وانخفضت معدلات نمو الإنتاجية([53]).

ولعل أبرز تطور جديد في الليبرالية المعاصرة هو " ليبرالية العولمة " ومن دلالتها الفكرية : العودة إلى الليبرالية الكلاسيكية كمفهوم ، وذلك أن من أبرز معالم العولمة : التخفيف من التدخل الحكومي في انتقال المال عبر الحدود والأسوار السياسية ، وذلك لتحقيق أعلى الأرباح ، فقد طبّقت الفلسفة الليبرالية عملياً عن طريق الشاويش السياسي الذي يحمي هذه الفكرة القديمة في الضمير الغربي.
لقد أصبح الاقتصاد وسيلة سياسية للسيطرة ، ونقل الثقافات الحضارية بين الأمم ، ولهذا فالأقوى اقتصادياً هو الأقوى سياسياًّ ولهذا اقتنعت الدول الغربية بهذه الفلسفة مع مشاهدتها لآثار الرأسمالية على الشعوب الفقيرة ، ومن خلال اللعبة الاقتصادية يمكن أن تسقط دول ، وتضعف أخرى.
وجذر العولمة الفكري هو انتفاء سيادة الدول على حدودها ومواطنيها فضلاً عن عدم سيطرتها عل النظام الاقتصادي الحر الذي كان يطالب به الليبراليون الكلاسيكيون.
يقول رئيس المصرف المركزي الألماني هناس تيتمار في فبراير من عام 1996م أمام المنتدى الاقتاصادي في دفوس " إن غالبية السياسيين لا يزالون غير مدركين أنهم قد صاروا الآن يخضعون لرقابة أسواق المال ، لا ، بل إنهم صاروا يخضعون لسيطرتها وهيمنتها"([54])وسوف يكون قادة العالم في المرحلة القادمة ( العولمة ) هم أرباب المال ، وسدنة المؤسسات الاقتصادية الكبرى.
والعولمة مبنية على نظرية اقتصادية ينصح بها عدد من الخبراء والاستشاريين الاقتصاديين. ويقدمونها دون ملل للمسئولين عن إدارة دفة السياسة الاقتصادية على أنها أفضل نهج وهي (الليبرالية الجديدة new liberalisms) وشعار هذه النظرية (ما يفرزه السوق صالح ، أما تدخل الدولة فهو طالح )([55]).
وهذا صريح في إعادة ترميم الليبرالية الكلاسيكية والارتداد إليها بعد التغير الذي حصل بعد الحرب العالمية الثانية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://marym.rigala.net
باحث سياسي
Admin



المساهمات : 12
تاريخ التسجيل : 09/03/2015
الموقع : https://www.facebook.com/

موضوعك الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوعك الأول   موضوعك الأول Icon_minitimeالإثنين مارس 09, 2015 1:55 pm

الإعلام الديني.. بين الشذوذ السياسي والتأجيج الطائفي


الإعلام الديني.. بين الشذوذ السياسي والتأجيج الطائفي

خيط ليس بالرفيع يفصل ما بين حرية التعبير والصحافة، وجرعات الخطاب الديني السياسي المنحدر إلى التحريض الطائفي في القنوات الفضائية العربية أو المستعربة، ويمكن ملاحظة أثرها مباشرة في الشارع العربي الذي لا تنقصه الفتنة الطائفية ،اذ نلتمس في مجتمعاتنا العربية مدى تفشي ظاهرة السلوك الطائفي في كل مناحي الحياة ،حتى في الحياة الاجتماعية العادية للافراد، حيث أصبح السؤال لأي فرد، من اين أنت او ما أسمك بهدف التحليل اذا ما كان من خلفية مسيحية او سنية او شيعية ..الخ،لتصبح بذلك ملامح هذه الطائفية مرتبطة بالعقائد الفردية، وهنا لا يحق لنا ان نحاسب المسيحي على عقائده تجاه المسلم او عقائد السني تجاه الشيعي، فكل فرد حر بما يؤمن به، ولكن عندما تتحول العقائد الى التحريض وتتبني الخطاب الطائفي فهذا ما يجب التركيز على محاربته.


اذ اصبح الإعلام مساهماً بشكل مباشر في نشر الطائفية، و هذا النوع من الصراع قد وجد طريقه الى الإعلام بسبب ما عُرف باسم "الربيع العربي المفتعل في الأوساط السياسية لسبب أو لآخر. لكن الدارس للتاريخ العربي وما شهده من تناقضات و صراعات على مدى سنين طويلة يدرك تماماً أن التوترات الطائفية ليست وليدة اليوم، فهي موجودة ومرفوضة منذ القِدَم، وتحتاج لإنهائها الى سلطة قوية رشيدة، ثم خلق بيئة يتعايش فيها الجميع مع بعضهم بسلام، حيث أن مسؤولية خلق هذه البيئة لا تبدأ كما يعتقد البعض من المنابر الإعلامية وإنما من البيت والأب والأم والمدرسة والمجتمع وأرباب السياسية...

الا أن بعض القنوات الفضائية تغذي هذه الطائفية و تمارس دورها التأثيري على المشاهد العربي،الأمر الذي يتوجب ضرورة اغلاقها دون النظر الى قضية الحرية الإعلامية وما يتوقف على ذلك من انتهاك لحرية الرأي كما يعتقد البعض، هدفا في مكافحة الجرائم المتمثلة بالتحريض على القتل والتصفية، بالرغم من وجود تكوينات اجتماعية تدعم هذه القنوات وتعمل على بثها من أماكن خارج نطاق القانون العربي في اقل تقدير،حيث يرى البعض أنه حان الوقت لوضع قوانين لإضافة المحتوى الإعلامي المتمثل بمواقع التواصل الاجتماعي وأيضاً اخضاعها الى القوانين العامة المعمول بها في الوقت الحالي في سلطة الإعلام الفضائي، والاشارة الى دور بعض الانظمة التي استخدمت الدين كسلاح للتأجيج الطائفي وتصفية الحسابات الشخصية، ليكون بذلك أسوأ ما ارتكب في العالم العربي هو توظيف الإعلام سياسياً مما انعكس سلباً على المجتمع وتفكير ابنائه و حصرهم في خانة التعصّب الديني و الطائفي .

الحقيقة من خلال هذا التحقيق حاولت رصد بعض الاراء و المواقف الاعلامية و السياسية و الفكرية ،هدفاً منها في الارشاد و التوجيه و تنوير القارئ بخطورة الانغماس في هذا التحزّب الاعلامي الديني او الطائفي الذي يدفع بصاحبه و بالمجتمع الى الهلاك و الشذوذ السياسي..

الإعلام شريك أساسي في تأجيج الطائفية في المجتمع العربي!!

يقول الإعلامي محمد جميل، في حديثه لـ ( الحقيقة): "ما من شك أن الإعلام وظف كأداة مهمة في الصراع الطائفي، خصوصاً أنه يعتبر مرآة عاكسة لأي خلاف اجتماعي أو ثقافي أو سياسي في مجتمعاتنا العربية، حيث بتنا بحاجة ماسة للحد من هذه الظاهرة التي تربك المجتمعات، وتعيق تقدمها ونموها، وهنا يلعب الإعلام دوراً محوريا ومفصلياً، سواء على تصعيدها وتوتير الأجواء، أو على صعيد الحد منها ومكافحتها، والمطلوب هو التأكيد على دور الإعلام الإيجابي في الحد منها.

من جانبه قال الإعلامي عبدالفتاح موسى: أعتقد أن ظهور ما يمكن تسميته بالصراعات الطائفية والتصعيد الطائفي في العالم العربي أثر بشكل مباشر على ما تنقله وسائل الإعلام، وبالتالي فإن ما وصلنا إليه من خطابات إعلامية طائفية اصبحت تؤثر بشكل كبير على المجتمعات، وهو ما يستدعي التوقف عنده للحد منه والغائه.

حيث أيده، الإعلامي عمار رشيد، مضيفاً: قد تكون هناك صعوبة في إيجاد حلول مناسبة للحد من هذا الصراع الطائفي أو التصعيد الطائفي الذي يجد له مكاناً واسعاً في بعض وسائل الإعلام، لافتاً إلى أن مسألة البحث عن حلول وتطبيقها في هذا الشأن قد يكون صعباً جداً او معقداً ويتطلب وقتاً طويلاً، متسائلاً: من الذي يقف وراء هذا التأجيج الطائفي، فلا بد من تحديد هويته وكشفه ومحاربته وتعريته.

من جانب آخر قال الكاتب الدكتور باقر النجار: استخدم الإعلام كأداة مهمة في الصراع الطائفي الدائر حالياً، وهو مرآة عاكسة لأي خلاف اجتماعي أو ثقافي أو سياسي في مجتمعاتنا العربية ، مرجعا سبب وصول التحريض الطائفي إلى الوسائل الإعلامية، وإلى فشل العديد من الدول العربية في مواجهة ذلك الصراع الطائفي.

من جانبه قال المحلل السياسي لقمان سليم الكاتب: دفعنا التأجيج الطائفي في وسائل الإعلام جميعاً إلى التفكير جيداً بما يجري حولنا من صراعات، مؤكداً أنه لا يؤمن كثيرا بفكرة أن الإعلام يعكس ما يجري، فهو شريك أساسي في العملية والصراعات المختلفة، وبأن الإعلام بحاجة إلى مراجعة وتقييم مستمر.

الاعلام الديني دمر ما تبقى..!!

أما الاعلامي علي الحروب ردّ في تصريحه على سؤالنا عن ماهية علاقة الاعلام الديني وتأثيره في تأجيج الطائفية قائلاً : " ابتداء، لا يمكن القول إن كل الإعلام الديني يندرج تحت وصف الإعلام الطائفي أو المتطرف، ومن غير الموضوعية إطلاق أي وصف عام وتعميمي إزاء هذا الإعلام، لذا وجب ترسيم هذا المدخل الأساسي قبل مقاربة أي نقاش حول الموضوع، فالتركيز في الأسطر التالية يختص بالجانب المتطرف والطائفي من ذلك الإعلام تحديداً.

الإعلام الديني المتطرف، والمتلفز منه على وجه الخصوص، هو ظاهرة عالمية ينظر إليها في سياق عولمة الاتصالات في العقود الأخيرة، أما العواقب الناجمة عن هذا الإعلام، فهي متنوعة وتعتمد على السياق السياسي والاجتماعي الخاص والأجندة التحريرية لكل حالة إعلامية وعلى منسوب التوتر لدى اللاعبين الرئيسيين في السياق المعني. وعملياً كان الإعلام الديني في الغرب، وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية هو أول من ابتدع استخدام شاشات التلفزة لنشر الدعوات الدينية على مستوى جماهيري. وبينما تتشارك وسائل الإعلام الدينية بعض الملامح والصفات المشتركة بصرف النظر عن موقعها الجغرافي أو ما تروج له من دين، فإن بعضها يشكل حالات خاصة منفردة، فالملمح المشترك لوسائل الإعلام الدينية، وخاصة المتشددة منها، يتمثل في إحياء المعارك العقدية الدينية النائمة وبثها في الوجدان الشعبي، حيث تقوم وسائل الإعلام في وطننا العربي على بث وترويج مساجلات إزاء نزاعات وخلافات دينية عقدية كانت تتسم على الدوام بالنخبوية وبكونها محصورة في فئة رجال الدين والمتكلمين، وهي معارك كانت بعيدة من اهتمام الناس العاديين، وانقضت وعفا عليها الزمن. وكما هو شأن هذه الأمور في كل الأديان بلا استثناء، ثمة اختلافات عميقة بين المدارس العقدية والمذاهب المختلفة في الإسلام ولكنها ظلت مقصورة على الدوائر المتخصصة من فقهاء وعلماء بالدين."

الحرب الاعلامية الطائفية ...من استقطاب الى انشقاق فانقسام !!

بدوره أكد الكاتب خالد الشامي في نقده للطائفية الاعلامية العربية قائلا : " في اجواء فتنة كالتي نعيشها، ليس مستغربا ان يختلط الحابل بالنابل، ويلتبس الحق بالباطل، وتطغى المصالح الشخصية على الوطنية، وتتراجع معايير الموضوعية والمهنية امام صعود خطاب الكراهية والتعصب.

الا ان هذه الصورة تتجلى اوضح، وربما اقبح، ما تكون في بعض وسائل الاعلام التي تعكس الواقع السياسي والاجتماعي، ثم تضيف اليه من ‘ابداعاتها’ فتزيد الطين بلة، وتحول الاستقطاب الى انشقاق فانقسام.

والمشكلة هنا لا تتعلق بمجرد انحياز الى موقف سياسي او مدرسة ايديولوجية معينة على اساس موضوعي يستنفر تبادلا ايجابيا للاراء والرؤى، وربما ابتكارا لمقاربات جديدة، ضمن دينامية فكرية مطلوبة في اي مجتمع حر، بل بما يمكن تسميته بالتدليس الاعلامي لخدمة اجندات ظاهرها الرحمة او الديمقراطية او الشرعية او غيرها من المصطلحات البراقة، وفي جوهرها الجحيم او الارهاب.

وباسقاط هذا الكلام على واقع ‘الحرب الاعلامية العربية’ المستعرة حاليا، نكتشف ان خطاب الكراهية المرتكز على طائفية سياسية او دينية اصبح سيد الموقف، وهو واقع يكاد ان يستحيل معه انجاز تسويات سياسية هي الامل الوحيد الممكن للخروج من الازمات في هذا الجزء من العالم.

يحصل هذا رغم انه يوجد في البلاد التي تحترم حرية الرأي الى حد التقديس، ومنها بريطانيا على سبيل المثال، من القوانين ما يجرم هذا النوع القميء من الخطاب، سواء كان مذاعا في الاعلام، او حتى قيل اثناء مشاجرة في الطريق. وهذا اعتبار يجب ان تراعى عواقبه القانونية، خاصة وسائل الاعلام العربية الموجودة او الممثلة في بلاد كهذه."

الإعلام الحديث أداة بطش للعقول!!

الى جانبه أضاف الاعلامي ميسر سهيل قائلاً : " نحن لا نخالف الحقيقة إذا قلنا إنّ الإعلام بحد ذاته قد أصبح اليوم أداة بطشٍ جديدةٍ _ إذا جاز لنا التعبير _ وهو البطش بحريّة الشعوب ومقدّراتها، فأيّ وسيلة للبطش أكبر وأشد من وسائل البطش بالعقول وتجريدها من كلّ ما يحفظ لها مقوّمات وجودها باعتبار أن أساس هذا الوجود هو التفكير الحر المستنير لقد بدأت منذ أواخر القرن العشرين حرب المعلومات والمعلوماتية من خلال وسائل الإعلام حيث إنّها أساس وجود الإنسان المعاصر، وأصبحت الدولة الأقوى هي الأكثر معلوماتيّة وبصفة خاصّة المعلومات التكنولوجية المتقدّمة المعتمدة اعتماداً كاملاً على الإلكترونيات التي تكاد تكون محتكرة من دول تعمل بجهد على عدم تسرّبها إلى دول أخرى، خاصّة ما يتّصل بالصناعات العسكريّة الدقيقة والسيطرة على بنوك وقواعد ومراكز المعلومات، وهكذا يتأكّد أنّ الإعلام الظلامي يمكن أن يصير طاغية العصر المؤثر في حياة الشعوب سلباً أو إيجاباً وهو الحاضر دوماً في كلّ مشروع حضاري أو تنموي وفي كلّ خطّةٍ تنمويّةٍ أو توجّهٍ تنموي باعتبار التنمية هي أساس كل مشروع حضاري.

الطائفية ...صورة شاذة للعمل الإعلامي!!

وبدل أن يكون الإعلام أداة إيجابية لخدمة أغراض التنمية والسلام الاجتماعي وتحقيق التقارب والتفاهم بين الناس على المستويين الداخلي والخارجي فإنه في الوقت نفسه، تحول إلى أداة هدامة تسيء إلى استقرار الدول والمجتمعات وتنشر الكراهية بين فئات المجتمع الواحد وأصحاب الديانات والثقافات المختلفة على المستوى الدولي وهذا ما يقوم به ما يمكن أن نطلق عليه " الإعلام الطائفي". وهذا البث الإعلامي الطائفي هو صورة من الصور الشاذة في العمل الإعلامي، مخالفة لمنطق الإعلام وقواعده العلمية التي يمكن تلخيصها بأنّها: تزود الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة، بطريقة صادقة دون أي تحريف، لتكوين أكبر درجةٍ من الوعي لدى الجماهير،بينما يقوم البث الطائفي على التحريف والتضليل الذي يهدم الوعي ويشتت الفكر بغرض إيجاد جو من التفرقة في المجتمعات لإضعافها، وذلك من أجل تحقيق أهداف السيطرة الماديّة واستغلال الثروات".

واستناداً على ما سبق ، يبدو أن وسائل الإعلام، وجدت مناخًا من الحرية المتاحة، تأثرت بالصراعات السياسية والطائفية من جانب، ولم تتمكن نتيجة لحداثة التجربة والتدخلات الخارجية من انتهاج مواقف تعبر عن الحيادية المطلوبة، وتبني خطابا وطنيٍا جامعا يقلل من حدة أخطر أزمة تواجه بناء الدولة ، ممثلة في الطائفية من جانب آخر،على الرغم من أن مجمل الدساتير سمحت بحرية الرأي والتعبير، لكن ثمة مؤشرات عديدة تؤكد تداخل السياسي بالطائفي، سواء فيما يخص الاستهداف المتعمد للإعلاميين والصحفيين على أساس طائفي، أو فيما يتعلق بسوء استخدام الوسائل الإعلامية، لتكون معظمها بمثابة إحدى أدوات التوجيه السياسي المقصود خدمة لطائفة محددة

لتبقى بذلك المشكلة الطائفية المتجذرة والواضحة بأغلب وسائل الإعلام العربية، ليست انعكاسًا للصراع السياسي في الداخل فقط، بل إن لها امتداداتٍ إقليميةً وأخرى دولية، تؤثر من خلال التمويل وتوجيه الرأي والحض على العنف؛ لتحقيق مكاسب ذاتية، وهو ما يقتضي توافق الإعلاميين في المنطقة العربية على وضع مبادئ أساسية لتنظيم البث الفضائي، أبرزها ضوابط تمنع بث ما يؤدي إلى تأجيج الصراعات والحروب الداخلية، أو تفتيت الوحدة الوطنية للدول، أو إثارة النزعات المذهبية والطائفية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://marym.rigala.net
باحث سياسي
Admin



المساهمات : 12
تاريخ التسجيل : 09/03/2015
الموقع : https://www.facebook.com/

موضوعك الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوعك الأول   موضوعك الأول Icon_minitimeالإثنين مارس 09, 2015 2:16 pm



في ذكرى الربيع العربي.. هواجس وتأملات
د. أمباي بشير لو
المطالعة في أدبيات الربيع العربي قراءة مثقلة بالشجون، لأنها تناولٌ لحدث سياسي فريد في العصر الحديث لم يتم استثماره لمصالح الشعوب المعنية. فقد بقي الحدث فريدا في الزمان والمكان، خارقا لتقاليد الثورات العربية، ومثنيا عن المتوقع السياسي في المنطقة. ومع ذلك، ما طفقت مآثره تتلاشى عن الأنباء، بل انبرت ذكراه مدهوسة في حضيض الكلام، حتى غدت منعوتة بـ"ثورة الشؤم"، "ثورة تقتل باسم الأديان،" والخريف العربي وغيرها. صحيح القول: إن بعض شعوب المنطقة لا تزال تكتوي بلهيب الحدث في سوريا، وليبيا واليمن، لكن هذه المنعطفات المؤلمة لا تبرر التشاؤم الانهزامي، فليست الثورات كلها وبالا في تاريخ الشعوب.

فقد كان زهوو زوأنلي، حكيم الدبلوماسية الصينية في عهد الزعيم ماو تسي تونج، متحفظا على الحكم على الثورة الفرنسية، بعد مضي أكثر من مئة سنة عليها، مشيرا إلى صعوبة الحكم على الثورات ومآلها، لأن التغيير قلما يكون مباشرا أو ملموسا للجميع، أو حتى لمعاصريه. فالأعمال التي جمعت في مؤلف "الفيدراليون"، وأدت إلى بروز الولايات المتحدة الأمريكية كنظام فيدرالي ذي دستور موحد لثلاث عشرة مستعمرة، بدأت كدراسات تحليلية للثورة الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني عام 1775.

كما جادل المؤرخ السنغالي شيخ أنتا ديوب، وبعد نشر كتابه الشعوب السوداء والثقافة (Nations Nègres Et Culture)، لتطوير مدخل جديد لفهم مراحل الهبوط والصعود لدى الأمم، ومن ضمن أطروحاته أن الشعوب بثوراتها. فبتواليها، تتقدم. وبانعدامها، وقلتها، تتأخر، وضرب مثلا بالشعوب الإفريقية والعربية. ولا تبعد هذه الفكرة من حيث المنطق عن موقف عالم الاقتصاد التركي تيمور كران. غير أن الأخير أثار سخط البعض في سياق كتابه الذي نشره جامعة برينستون الأمريكية في عام 2012، حين سماه ـ ""التباين المبين: دور القوانين الإسلامية في تخلف الشرق الأوسط."

أطروحة كران تستند إلى أرقام ومقارنات لتثبت أن غياب تغيير جدري ثوري في العرف الاجتماعي الإسلامي أثر سلبا فى اقتصادات المجتمعات الإسلامية، وعراها منذ القرن العاشر الميلادي من قدرتها على مواكبة وسائل الإنتاج الجديدة، وبالأخص الغربية منها. فالشعوب تنهض ليس فقط بالاحتفال بماضيها، بل أيضا بمراجعة هذا الماضي، والتشكك في بعض مسلماته. ولعل الروائي البريطاني الراحل جورج أرويل يذكر في هذا السياق أن "الثورة قد تكتمل فقط حين يتم فرز لغتها،" فلسان الربيع العربي لم يتم بعد التأكد من لغاته، أو التبين من لكناته.

موجات التغيير

فمن حيث الخصوصية المكانية، فسبق أن دوّنّا في بحث سابق أن العالم العربي هبّت عليه أربع موجات من التغيير منذ باكورة القرن الماضي. فالأولى عرفت بالثورات الوطنية ضد الحكم العثماني في منطقة الخليج واليمن، متمثلة في حركات الشريف حسين بن علي. والثانية امتدت تنصرف إلى الثورات الوطنية ضد الهيمنة الغربية الاستعمارية، ومن أمثلتها الثورة المهدية في السودان، وثورة العراقيين بقيادة رشيد علي الكيلاني، وثورة عرابي في مصر.

ومن تجليات هذه الحركة الثورية، أيضا، ثورة الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي في ستينيات القرن الماضي. وقد يرى بعض الكتاب، مثل المناضل خالد الحسن، الانتفاضات الفلسطينية في قلب هذه الحركات الثورية. أما الموجة الثالثة من مراحل التغيير، فتتعلق بحركات الجهاديين، بدءا من تسعينيات القرن الماضي بقيادة أسامة بن لادن، وكانت بدايتها موجهة ضد الأمريكان، ومن والاهم في الغرب من الأوربيين، أو في الشرق من الإسرائيليين، والتي سماها بن لادن ـ"التحالف الصليبي- الصهيوني". ومعروف لدى المحللين أن فشل هذه الحركة الجهادية، وما آلت إليه من انشطار أو اندثار، كان نتيجة عدم واقعية مطالبها، وتناقض أهدافها.

أما الموجة الرابعة والأخيرة من مراحل التغيير، فهي الثورات العربية ضد الحكم القومي الاستبدادي. والسودان من أكثر الدول العربية عرضة لهذا النوع من الثورات، بما فيها ثورة أكتوبر 1964 ضد الجنرال إبراهيم عبود، وثورة الشعب ضد الرئيس النميري في مارس 1985، وكذلك ثورات الأكراد في العراق، والإخوان المسلمين في سوريا ضد نظام الأسد الأب. وتعد ثورات الربيع العربي امتدادا نوعيا لهذه الأخيرة، ومختلفة عنها من حيث نهجها السلمي في مصر وتونس.

الربيع العربي وتفسيرات مختلفة

هذا الإطار التاريخي السردي ما فتئ غائبا في تعرض الدارسين لظاهرة الربيع العربي، فاختلاف تسمياتهم لهذا الحدث ينم عن تباين تفسيراتهم لها. فيستخدم جيمس غلوين مصطلح الانتفاضة العربية في كتابه "الانتفاضة العربية.. ما يجب أن يعرفه الجميع"، وكذلك يتبنى الباحث الأمريكي مارك لينج المصطلح نفسه في كتابه "الانتفاضة العربية: الثورة المبتورة". ولا يخالفه العالم جيري بووين في تبني المصطلح في كتابه " الانتفاضة العربية" . ويبدو للمتأمل في هذه الأسفار وشبيهاتها، وهي كثيرة، أن المؤلفين يستنكفون من استخدام الثورة افتراضا لعدم توافر مواصفاتها في هذه التغييرات غير الجذرية.

يشاركهم في هذا المنحى الكثيرون من الإسلاميين ومناصريهم من الأكاديميين في الغرب. فمثلا، يرفض الدكتور طارق رمضان استخدام كلمتي الثورة أو الانتفاضة، ويصف الحدث بـ" اليقظة" wakening استنقاصا من شأنها وقدرتها على تغيير الواقع العربي المرير. وفي هذا الإطار، يقص علينا رمضان في كتابه "الإسلام والنهضة العربية" أن الجمهور "سوقوا إلى هذه الثورات"، ولم يكن بوعي تلقائي منهم.

هذا التحليل يبدو صحيحا للمحلل الذي يرنو إلى الأحداث من منظور وسائل الإعلام الاجتماعي، لكنه غير دقيق للمتابع لحركة تداول التاريخ بين حضارات الشعوب. وعلى غرار رمضان، يُظهر المفكر التشيكي Salvoj Zizek في تحليله لأحداث المنطقة منحى مؤامراتيا يصبو إلى لوم الآخر وتبرئة الشعوب عن المسئولية المباشرة، بل والوعي النضجي في حركاتها وقراراتها.

ويبدو غير وارد عند هؤلاء أنه بقدر ما يجردون الشعوب المعنية من القدرة على المبادرة الذكية، ويقللون من قدرة الناس على فهم الواقع، والتكيف معه، يكون بقدر ما يؤيدون منطقة التدخل الغربي وهيمنته التسلطية على مصائر الشعوب.

ومنطق هؤلاء الأكاديميين ليس ببعيد عن منطق فلاسفة "إدارة التوحش" من الجهاديين الذين يتصورون عامة الشعوب الإسلامية فاقدي عقل وذوق، كما يقول أبوبكر ناجي عن هذه الشعوب "تم تدجينها، وتغييب وعيها بآلاف من المُلهيات، سواء من جانب شهوات الفرج والبطن، أو اللهاث خلف لقمة العيش، أو اللهاث لجمع المال." وجدير بالتنبيه إلى أن القدرة على استعمار الآخر لا تتأتى إلا بوجود القابلية للاستعمار على مساق الأستاذ مالك بن نبي، وهذا، افتراضا منا، تقديس لعبقرية المستعمر.

فالمنطقة العربية أصبحت بؤرة للنزاعات السياسية، والدينية، والعصبية، ومن الترف الفكري لصقها دائما بمشكلات القوى الخارجية، ومؤامرات القوى الاستعمارية. فقد أضحى العالم غرفة مصغرة، يقطنها أفراد وأسر متألبة لمصالحها الاقتصادية والسياسية فيها. ومما يؤثر عن مهندس الدستور الأمريكي جيمس مديسون قوله: إن الدول لها مصالح دائمة، ولا أصدقاء دائمون. وبما أن العولمة انتهاك لسيادة الدول وتبديلها بالجماعات والكتل المصلحية، يصح تعديل النص بأن هذه الكتل، عربية كانت أو غربية، لها مصالح مشتركة لا تندرج تحت مسميات الوطنية أو القومية.

وكان العالم الأمريكي بينديك أندرسون قد غير مسار الخيال الأكاديمي عام 1983 بأطروحة نهاية الدولة القطرية، وبزوغ سيادة المجتمعات الافتراضية مكانها. ولم تكن صرامة الأطروحة في عبقرية النظرية، بل كانت في نصاعة واقعيتها، وعدم حاجتها إلى التفسير. وقد أومأت في كتاب لي عن أمريكا: الإسلام والسودان إلى دور قاطني المهجر الأمريكي من أبناء جنوب السودان في استقلال الجنوب، بل في صعود أبناء دينكا إلى قمة الدولة الجديدة، وهناك دراسات أيضا في هذا السياق عن أقباط المهجر في مصر، والأكراد في العراق، والإسماعيليين في طاجيكستان.

كما أن هناك كتابين نشرا العام الماضي، وعُدا من أحسن ما جاد بها العام من الأعمال الفكرية، وقد نجحا في تشخيص محور العالم العربي- الإسلامي في المنظومة الدولية المنشودة. الكتابان هما" المنظومة الدولية" لوزير الخارجية الأمريكية الأسبق، هنري كيسنجر، و" النظام الدولي والانهيار السياسي" لفرانسيس فوكوياما. المؤلفان يعدان عقلين كبيرين لهما وزنهما في عالم الدراسات المستقبلية، ويسلطان الضوء على المحاور الدولية التي يجب أن تكتنف فقهنا للمظاهر المحلية الخارقة مثل الربيع العربي.

إشكال المحاسبة السياسية

ويبني البروفسور فوكوياما، وهو صاحب كتاب "نهاية التاريخ"، آراءه على إرث شيخه صميويل هنتنجتون، صاحب نظرية "صراع الحضارات"، ليبين أن الديمقراطية الليبرالية لا يتسنى لها الوجود في غياب ثقافة المؤسساتية، وأن نجاحها اليوم في بقاع مختلفة من المعمورة خارج العالم الغربي مرتبط برسوخ ثلاث ظواهر، هي: دولة قوية ذات شوكة، وحكم القانون ، والمحاسبة السياسية. وأنكر تدخل الولايات المتحدة في العراق لتصدير أو فرض هذه المؤسسات، مدعيا بأنها مكاسب ثقافية مرتبطة بتطورات زمانية أو مكانية، كما بين توجسه من محاولات زرع الديمقراطية في العراق. ويمثل جزء كبير من الكتاب سردا وأمثلة لكل من هذه الظواهر الثلاث، مناقشا كيف اقتنتها الدول تدريجيا واحدة بعد الأخرى، أو جملة واحدة. والملاحظ في تحليل الكتاب أن العالم الإسلامي، بما فيه العربي، واجه تاريخيا إشكالية "المحاسبة السياسية"، ولا مفر له إلا بحل هذه المعضلة.

وليس في هذا جديد لمن له إلمام بآراء فوكوياما التي غالبا ما يُرجع أسباب ترهل الديمقراطية في العالم العربي إلى تجذر العصبيات القبلية والدينية. وجدير بالذكر أن الشيخ عبد الرحمن الكواكبي كان قد نبه إلى نقطة مثيلة في كتابه عن "طبائع الاستبداد"، حيث ذكر أنه "لا نجاة، ولا مخرج، ولا إمكان لمحاسبة النفس، فضلا عن محاسبة الحكام المنوط بهم قيام العدل والنظام. وهذا الإهمال للمراقبة، وهو إهمال الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قد أوسع لأمراء الإسلام مجال الاستبداد، وتجاوز الحدود."

وعلى كل، فالجزء الأهم في كتاب فوكوياما هو إنذار للولايات المتحدة بأن الانحطاط السياسي من سنن الحياة، وواقع لا محالة، وأن المنقذ الوحيد هو تجديد النظام السياسي، والحد من دور أصحاب المصالح الخاصة في صناعة القرار السياسي.

أما كتاب كيسنجر، فيتناول صميم التطورات في العالم اليوم بعقل شيخ أرهقته الهموم، وقلب شاب استهوته الآمال، فهو مبشر بالممكن، ومنذر بخطر فوضى سياسية داهمة لم تحدق بحياة البشرية من قبل. ففي بداية الكتاب، يصرح بأنه لم يكن هناك نظام عالمي من قبل، وأن التجربة الحالية ليست مستثناة من قاعدة الحكم، لأنه نظام أوروبي المنشأ والغرض، وقد أنتج في أوروبا منذ أربعة قرون. ولكي تنقذ العالم من مشاكله الحالية، لا بد من تبديله بنظام متواز، وممثل للعالم كما هو اليوم. ولا يخفي الشيخ كيسنجر توجسه من حركة الإسلام الجهادي لكونه مصدر تهديد أساسيا لأي نظام عالمي. ويتطرق إلى سرد رائع في إطار الإجابة على ثلاثة أسئلة: إلى أي مدى، كانت حركة الإسلام السياسي عامل تهديد للنظام العالمي خلال الألفية الماضية؟، وإلى أي مدى، تمثل حركة الإسلام السياسي اليوم عامل تهديد للنظام العالمي؟، وما هي الدروس التي يمكن استنباطها من علاقة أمريكا بإيران، خلال الأعوام الخمسين الماضية؟.

ومن العبرات التنبئية الثقيلة لما يحدث في أوروبا اليوم تجاه المهاجرين المسلمين قول المؤلف: إن "أوروبا معلقة بين ماض ثقل عليها تجاوزه، ومستقبل لم تتبين منه بعد." وهناك قسط كبير في الكتاب يحلل النزاع العربي- الإسرائيلي بدقة غير معهودة في الكتابات الأمريكية، فيقسم الموقف العربي تجاه إسرائيل إلى ثلاث مجموعات: قلة ساكتة، وهي تؤمن بإمكانية التعايش السلمي، ومجموعة عريضة لا تسعى إلا لمحو إسرائيل من الوجود، وأخرى مستعدة لمحاورة إسرائيل بقدر ما تسمح لها أوضاعها الداخلية، راجية طمس يهودية الدول في الوقت المناسب.

سيكولوجية الثورات

هناك ركيزتان مهمتان كمدخل لدراسة الثورات العربية، الأولى مرتبطة بسيكولوجية الثورة في الذاكرة العربية- الإسلامية، والتي يمكن إرجاعها إلى الصورة السلبية التي تناولت بها أخبار ثورة الزنج، وهي أول حركة ثورية لا دينية في التاريخ الإسلامي. فمع أن القدر اليسير مما وصل إلينا عبر بعض الشعراء المستقلين يرمز إلى نبل أهداف الثوار، ومطالبتهم للعدالة الاجتماعية، فإن لسان السلطان الذي استغل شعراء القصور، واشتغل المدونين، حال دون وصول الحقيقة التاريخية إلينا.

فتذكر كتب التاريخ الرسمية كيف قام جيش السلطان بتخريب الأسواق، وإبادة الحرث والنسل، وحرق المدن، بما فيها مدينة الثوار المعروفة بـ"المختارة". وحتى المرجع الوحيد لوجهة نظر الثوار المشار إليه "بأخبار صاحب الزنج ووقائعه"، لمؤلفه محمد بن الحسن، تم حرقه بأمر السلطان. وفي ظل هذه الملابسات، ليس بغريب أن يسلط الإمام الطبري أكثر من مئتي صفحة من كتابه تاريخ الرسل والملوك في انتقاد هذه الثورة، وهو شيء لم يكن معروفا به في روايته لأخبار أخرى مشابهة . ولا يخفى على القارئ المتأمل لما كتبه المؤرخون أقران الطبري، مثل ابن كثير، واليعقوبي، ما يشوب وصفهم لهذه الثورة من أحكام انتقاصية شمولية، مثل الفتنة، والخبيث، والطاغوت، واللعين، دونما إعطاء سند علمي لهذه المناداة بالأسماء. هذه الرواية السلبية التي أرفدت إلينا أول تجربة ثورية، وكيف جابهها السلطان بالحديد والنار، هي التي اعتمدها المؤرخون كوسيلة مثلى للخروج من فتنة الثورة، ومخالفة أهل الحل والعقد.

وما أشبه اليوم بالبارحة في كثير من بلاد المنطقة. وقد يكون أبوبكر ناجي منظر الجهاديين صائبا، حين كتب منتقدا أن مصطلح الفتنة "نفسه تسبب عدم تحريره في الوقوع في الفتنة! فما هي الفتنة التي يجب على المرء أن يعتزلها؟، وما هي الفتنة التي يجب على المرء أن يكون وسطها وفي معيتها، فإذا مات مات شهيدا؟، والتي تكون فيها الفتنة في اعتزال الفتنة."

مسألة الحرية

أما الركيزة الثانية المساعدة كمدخل لدراسة الربيع العربي، فهي مرتبطة بمسائل الحرية وفلسفتها. فقد كنت ألمحت في باكورة الربيع العربي إلى أن مشكلة الرئيس الأسبق، مبارك، هي نفسها ستكون مشكلة الإسلاميين، لو قدر لهم الوصول إلى السلطة. فمطالب الجماهير ترتبط بمسألة الحرية أولا، وهي شائكة لم تتناول كتابات الإسلاميين أبعادها التطبيقية. فالحرية مبدأ في الحداثة، بينما الفكر الحركي الإسلامي الحديث ولد وترعرع في منتزه الأصالة، ولم يأبه بمسائل الحرية، إلا بقدر ما يحتج بها الحركيون ضد السلطان، وتفضح بها الحكومات الوطنية على مرأى العالم و مسمع من الملأ.

وصلب الموضوع هو أنه ليس هناك تراكم معرفي حول ماهية الحرية، لا أقصد أسلمة الفكر، كما تجلت في بعض المجادلات، بل أقصد معنى ومبنى الحرية، وأسئلة الموازنات، ومواكبات بين الحرية الإيجابية التي هي مرتكز مطلب السلطان، والحرية السلبية التي لا يستقيم أمر الديمقراطية الليبرالية إلا بحمايتها للجميع. أذكر أن عزيزي البروفيسور السوداني، حسن مكي، قد نبهني يوما إلى أن "الحرية ليست من مقاصد الشرع،" وكان محقا في الإشارة إلى أنها إذن لا تكون من أولوية الإسلاميين حين يصلون إلى سدة الحكم. وكلامه كان صحيحا مبنى ومعنى.

يكتب الناقد الإفريقي-الأمريكي الراحل جيمس بلدوين "أن هذه المفاهيم، مثل الحرية والعدالة والديمقراطية، ليست معانيها صدفية، بل هي خاصة، لا يولد الناس ملمين بها، وفهمها يتطلب جهدا. وفوق كل ذلك، يحتاج إلى مجهود فردي للوصول إلى مبدأ احترام الآخر المطلوب في هذه المفاهيم."

إذن، فالمطلوب هو إعادة ترتيب هذه المفاهيم، كي تخدم أبناء البلد في إطار احترام حرية الأفراد، واستقلالية المؤسسات والمعتقد. وليس هناك شك فى أن الدراسات العربية الإسلامية، بوضعها الحالي، وتركيزها على تفكيك معاني التراث، متجاهلة سنن الحياة، وطبيعة بني الإنسان، قد أسهمت في تهميش مفاهيم الحرية، وتأزيم الوضع السياسي.

فهناك حاجة ملحة إلى مراجعة قصة الربيع العربي في جذورها، وطرح مقاربات قشيبة (مختلطة) لفهم مبانيها خارج الواقع الموروث. على الدراسات تدقيق النظر في التاريخ الموروث لتحسين البصيرة تجاه المستقبل المنشود. لقد أحسن الدكتور عماد عبد اللطيف في كتابه "بلاغة الحرية"، حين صور كيف أن شارع الربيع العربي أحسن الاختيار إخلاصا وإبداعا، لكن الخاصة من علمائه وسياسييه فشلوا في صيانة الإرث الإبداعي، وأبوا إلا المكوث في الحضيض الفئوي، وسياسة الإقصاء.

إنني لمؤمن بمسئولية الباحثين والأكاديميين "المقدسة" عن حمل رسالة النهضة والتطوير من خلال نبش أخبار الربيع العربي، ونقد البديل الحالي المطروح في سبيل فتح آفاق للأمل والخيال، وهذا لا يتأتى إلا باستقلالية في التفكير، ومنهجية التمرد الفكري على المألوف المعروف.
تعريف الكاتب:
أستاذ بجامعة ديوك الأمريكية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://marym.rigala.net
 
موضوعك الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رجال الفكر والسياسة :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: